تمتد جذور حضارة الإمارات وأصالتها العريقة إلى آلاف السنين، بشهادة رموزها التي مازالت شامخة تتحدى الزمن . وعجمان هي واحدة من إمارات الدولة التي تتميز بوجود سلسلة من القلاع والأبراج والحصون القديمة، وقد أنشئت جميعها لأغراض عسكرية لتلعب دوراً في حماية المنطقة من هجمات الأعداء والطامعين . وتنتشر على طول الساحل وفي بعض المرتفعات والمناطق الداخلية وعلى مشارف المدن، وقد تم مؤخراً تجديد معظمها للمحافظة عليها من الاندثار، نظراً لما مرت به من أدوار تاريخية مختلفة .
متحف عجمان
شيد في أواخر القرن 18م، وكان أول خط للدفاع عن الإمارة، استعمل في بنائه المواد المحلية كحجارة البحر المرجانية والجص وتم تسقيفه بالجندل (جذوع أشجار) وتسجل صفحات تاريخ إمارة عجمان، تعرض الحصن عام 1820م مثل بقية القلاع والحصون في الإمارات الشمالية لقصف السفن الحربية البريطانية حيث تم تدميره، قبل أن يعيد الشيخ راشد بن حميد الأول (1803م-1838م) بناءه من جديد . وبعدها تعاقبت عمليات الترميم والإضافة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين حيث بقي مقراً للأسرة الحاكمة حتى عام 1907م حينما انتقل المرحوم صاحب السمو الشيخ راشد بن حميد النعيمي (1928-1981) إلى الإقامة بقصر الزاهر وتحول الحصن إلى مقر للقيادة العامة لشرطة عجمان للفترة من (1970-1981) وفي أواخر عقد الثمانينات من القرن 20م أمر صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان بإعادة ترميمه تمهيداً لتحويله إلى متحف لتراث الإمارات وحياة الأجداد وعاداتهم ومهنهم، وتم تجسيد كل ذلك عن طريق تماثيل مميزة ومعبرة، تم تصميمها وتصنيعها بدقة وحرفية عالية . ويتميز عن باقي الحصون والقلاع في عجمان بتفرده وجمال بهائه العمراني . وبقائه شامخاً وشاهداً على مآثر وتراث الأجداد .
برج المربعة
أحد أهم المعالم السياحية الواقعة على كورنيش إمارة عجمان، بني في ثلاثينيات القرن الماضي بتوجيه من الشيخ راشد بن حميد النعيمي حاكم عجمان (1928-1981م) بهدف أن يكون نقطة مراقبة للقادمين إلى مدينة عجمان من ناحية الجنوب الغربي، ولتوفير الأمن لسكان المدينة ومنع العابثين واللصوص وقطاع الطرق من مهاجمة أطراف المدينة والقيام بأعمال السلب والنهب . وقد قام ببنائه السيد أحمد خليل الهاشمي . ونظراً لأهميته التاريخية، وجه صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، بلدية عجمان بترميمه .
الحصن الأحمر
على بعد 75 كم من مركز إمارة عجمان تقع مدينة المنامة إحدى المناطق الرئيسة في عجمان، ويروي التاريخ فيها قصص وحكايات الأوائل من مؤسسي صروحها التراثية الماثلة للعيان . ومنها البرج أو الحصن الأحمر الذي شيده في عهد الشيخ حميد بن عبد العزيز النعيمي، ويتألف من أربع غرف وبرجين كل برج مكون من غرفتين، لاهميته التراثية أمر صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان في عام 1986 بعمل ترميم له، وإضافة برج ثالث بالواجهة الأمامية من جهة اليسار ومماثل للبرجين القديمين، واستخدم في بناء الجدران الحصى والجص الأحمر لذلك سمي بالحصن الأحمر، أما الأسقف فتم استخدام أخشاب الجندل كعوارض ودعون . ويقول راشد علي راشد، من شواب المنطقة: إن منطقة الحصن تتمتع بخصوصية لدى الأهالي لغناها بأشجار النخيل التي تتوزع في كل جانب، إضافة إلى وجود بئر ماء ويعرف بين أهل المنطقة (بدرب الطوي) وكان البئر يستخدم قديماً للشرب واستخراج المياه بطريقة اليازرة لري الأراضي الزراعية .
ويضيف أحمد اليماحي، من شواب المنطقة: إن الحصن الأحمر كان مشيّداً قبل ولادته، وسمع في أحاديث الأجداد أن عمره يزيد على 107 سنوات، ويشير إلى المهن التي كانوا يمارسوها قديماً مثل: تقطيع الخشب وبيع الفحم والذبائح .
حصن المرير
يقع في منطقة المنامة، وقد شيد في عهد المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن حميد النعيمي . ويضم الحصن فناء تحيط به سبع غرف كبيرة، إضافة إلى بئر (طوي) مخصصة لبرج الحراسة وشرب المياه . وتحيط بالحصن أشجار النخيل التي تروى من فلج المنامة القديم الذي ينبع من رؤوس الجبال . وحول الحياة التي رافقت بناء هذه الأبراج والحصون، يقول علي الكعبي، من سكان المنطقة: إنه حتى لعام 1957 لمن يكن في المنطقة غير هذه الحصون والقلاع الموزعة، بينما كانت الحياة البشرية متواضعة ويغلب عليها الطابع البدوي، حيث الاعتماد على المواشي والزراعة التي كنا نعتمد في ريها على فلج المنامة . ويضيف: تتبع منطقة المنامة إرثاً تاريخياً آخر، وهو قلعة “حصاة بويض” وشيدت عام 1976م فوق تلة من الحصى البيضاء ولذلك سميت “حصاة بويض”، وهي على هيئة برج مربع تتألف من غرفتين .
قلعة مصفوت
وتبعد عن عجمان بنحو 110 كم إلى الجنوب الشرقي، وتضم مدينة مصفوت منطقة مزيرع والصبغة التي ينحدر السكان من قبائل بدوات وبني كعب وتشتهر بالزراعة، حيث التربة الخصبة والوديان الفسيحة والمناخ المعتدل ما أهلها لتكون مركز جذب للسياحة تتميز بالطبيعة الخلابة، حيث الجبال الشاهقة مثل جبل دفتا، وجبل ليشن والجبل الأبيض، وكذلك تشتهر بالوديان الفسيحة مثل وادي غلفا والصوامر ومصفوت والخنفرية ووادي الضفدع . تتميز بمدخلها التاريخي الذي شيد في عام 1961م . للترحيب بالوافدين إليها، وبجانبه برج استخدم لتوقيف المخالفين ومراقبة المتسللين . ومن بين أهم معالمها قلعة مصفوت التي تقع على قمة جبلية من جهة الشمال . تم بناؤها عام ،1965 وتتألف من بوابة وحجرتين متخصصتين في حماية المنطقة من الأعداء وقطاع الطرق المتجهين إلى سلطنة عمان .
ويقول صالح الأستاذ المشرف على المعالم السياحية في دائرة التنمية السياحية في عجمان: إن الدائرة تحرص على المحافظة على المناطق الأثرية في الإمارة وصونها بالتعاون مع المجلس الوطني للسياحة والآثار في مختلف المشروعات ذات الصلة، إضافة إلى المشاركة في فرق مشروعات المسح والتنقيب بمختلف مناطق الدولة، مثل مشروع المسح الأثري الذي أجري في منطقة مصفوت خلال العام الماضي، وأسفر عن العديد من النتائج المهمة . ويضيف: لصيانة الآثار والحصون نستعين بالخبرات من الهيئات الاتحادية والمحلية . وحول حصن المرير ومشروع تحويله إلى متحف، يقول: المشروع ينفذه مكتب دائرة البلدية والتخطيط في عجمان في منطقة المنامة وينتهي في غضون عدة أشهر، بالتعاون مع دائرة التنمية السياحية التي تتابع أعمال الترميم للمواقع التراثية الموجودة في المنطقة بهدف ترويجها سياحياً وتوثيق الهوية الوطنية والتعريف بالمواقع التراثية .
ويضيف سالم بن غليظة، نائب مدير مكتب بلدية المنامة: إن الإمارة تمتلك عدداً من المعالم التاريخية البارزة، التي ما زالت تحافظ على شكلها واصالة ماضيها، بمساهمة مكتب بلدية المنامة التي تتابع وتراقب الحصون وتشرف على المكان والمراحل الترميمية، ويشير إلى أن بعض هذه القلاع والحصون كانت مخصصة لسكن العائلة الحاكمة إلى جانب عدد آخر من الأبراج المخصصة للدفاع عن الإمارة والمنطقة . مؤكداً ان هذه المواقع تلقى اهتماماً من سكان الإمارات سواء كانوا مواطنين أو وافدين أو سياحاً على اعتبارها شاهدة على تراث وحضارة الإمارة الضارب في القدم .
Add Comment