يفرك أبناء روما أعينهم غير مصدقين، فالعمدة الجديد للمدينة التي تلقب بالخالدة إيجانزيو مارينو يعمل على تنفيذ «ثورة» في الكولوسيوم وهو مدرج عملاق كان يستخدم في مباريات المصارعة والاحتفالات الجماهيرية في العصر الروماني حيث لم تتغير عادات السياح منذ أجيال.
ومن المقرر أن تبدأ أخيراً أعمال الترميم في هذا المعلم البارز للعاصمة الإيطالية والتي تأخرت مرارا كعادة أهالي روما.
بل إن الأكثر إثارة للدهشة هو أنه لن يسمح اعتبارا من أغسطس الجاري للسيارات الخاصة بالسير بالقرب من أكبر مسرح نصف دائري يرجع تاريخه لروما القديمة، وسيتعين على حافلات السياح أن تنتظر في أماكن أخرى.
وهذه الخطوات ضرورية بالنسبة للعمدة اليساري الاتجاه ليس فقط لإنقاذ الكولوسيوم من مظاهر التلف الناتج عن عوامل التعرية وكذلك التدهور الحادث، ولكن أيضا لبدء تجميع حديقة واسعة للآثار في المنطقة حول المحفل الروماني، وهو قصر قديم كان مركزا للأنشطة الاحتفالية والتجارية في العصر الروماني.
ويأتي كل عام ما يصل إلى ستة ملايين زائر لمشاهدة هذا المعلم السياحي الكبير الذي يرجع تاريخه للقرن الخامس عشر.
كما يرى السياح لمحة من الفوضى الضاربة في روما العصرية.
وتم وضع حواجز لتسهيل عملية إقامة خط لمترو الأنفاق، وتمتد الحواجز من الكولوسيوم حتى المحفل الروماني، وخلال أيام الأسبوع تزدحم حركة المرور لتتخذ شكلاً عاصفاً حول الكولوسيوم الضخم والهش رغم حاجته العاجلة للترميم.
ورغم أن العمدة يعلم أن أي إغلاق لشارع في روما يسبب على الفور مزيداً من الضوضاء والازدحام المروري في أماكن أخرى إلا أنه مصمم على تنفيذ مشروعه.
فهو يريد أن يظهر للجميع أنه راع للسياسة الثقافية والبيئية حتى رغم أن التجار الذين يخشون من كساد أعمالهم يعارضون أي تغيير، وبدأ الخلاف بنزاع تختلط فيه التراجيديا بالكوميديا يتعلق بالكولوسيوم ذاته.
وقد مر عامان ونصف العام منذ أن تم إعلان مشروع لتجديد هذا الهيكل في عهد العمدة السابق وذلك برعاية رجل الأعمال دييجو ديلا فالي الذي يدير شركة «تدوز» للمنتجات الجلدية.
وعندما طرح المسؤولون في وقت لاحق من خلال وسائل الإعلام أكثر الخطط طموحاً في هذا الصدد قوبلوا بعاصفة من الاعتراضات والدعاوى القضائية.
ولم يتم بعد تسوية جميع هذه الدعاوى القضائية، غير أن العمدة أعلن أن العمل يوشك أن يبدأ.
وستتكلف عملية تنظيف وتثبيت صفوف الأعمدة بالكولوسيوم التي اتسخت بمرور الزمن ويبلغ ارتفاعها 50 متراً ثمانية ملايين يورو، ومن المتوقع أن يستغرق هذا العمل وحده عامين ونصف العام، وسيتم إقامة مدخل جديد للسياح إلى الكولوسيوم.
وقال العمدة لجميع المشاركين في تنفيذ المشروع: «إننا على وشك أن نحقق حلما كان يراودنا منذ عقود، ونحن سندشن عملية ذات قيمة ثقافية كبرى»، وفي مقارنة مبالغ فيها تحدث العمدة مارينو عن «أكبر حديقة للآثار على ظهر الأرض».
وهو يعني بذلك جميع الآثار المتبقية من روما القديمة التي تحيط بالكولوسيوم وبالمحفل الروماني وهما أكثر المواقع المحبوبة من جانب السياح.
وحيث إن أبناء روما متشككين بطبعهم فإنهم يتخذون موقف المراقب انتظاراً لما تسفر عنه التطورات ومترقبين ما إذا كان سيتحقق شيء على أرض الواقع.
والخطوة التالية ترقى إلى مرتبة ثورة صغيرة في مدينة مكبلة بالازدحام المروري، فحوالي نصف المساحة بين المحفل الروماني وبين الكولوسيوم وميدان فينيسيا ستكون محظورة على السيارات الخاصة.
وسيسمح فقط بمرور الحافلات وسيارات الأجرة على أن تسير ببطء.
ويستطيع سكان روما والسياح حتى الآن الاستمتاع فقط بشارع خال من مرور السيارات على طول المحفل الروماني والمواقع القديمة وذلك في أيام الآحاد.
ويفكر العمدة بالفعل في خطط مستقبلية، فحوالي نهاية العام الحالي سيتحقق مزيداً من الراحة والهدوء.
ويعتزم العمدة توسيع الطرق الجانبية من ثلاثة أمتار إلى ستة، وذلك على طول شارع دي فوري إيمبريالي، حيث يوجد الكولوسيوم، وهو الشارع الذي أقامه الديكتاتور بنيتو موسوليني، وبالإضافة إلى ذلك سيتم تخصيص طريق للدراجات وهي فكرة جديدة بالنسبة لروما ويصل إلى حديقة كولي أوبيو.
ويأمل العمدة مارينو أن تشكل كل هذه الخطوات «حديقته الأرضية الكبيرة في قلب روما»، وسيراقب المواطنون في روما وملايين السياح من مختلف دول العالم ما إذا كانت جهوده ستكلل بالنجاح.
Add Comment