تعيش أسواق المدينة العتيقة بالعاصمة تونس فترة ركود لم تعرف لها مثيلا خصوصا على إثر سلسلة الاغتيالات السياسية والأحداث الجارية فى منطقة الشعانبى بمحافظة القصرين وسط البلاد. واغتيل المعارض التونسى محمد البراهمى قبل أكثر من أسبوع رميا بالرصاص كما لقى 8 جنود من الجيش الوطنى حتفهم فى تبادل لإطلاق النار مع مسلحين بجبل الشعانبى بمحافظة القصرين على الحدود مع الجزائر. وتعدّ مدينة تونس العتيقة وجهة سياحية أولى حيث يتوافد عليها السياح من مختلف أقطاب العالم لما تزخر به من ثروة ثقافية وحضارية ومعمارية وما تنتجه من صناعات تقليدية يتم ترويجها فقط بأسواقها.
وكان الجزء العتيق من مدينة تونس قد تأسس فى 698 حول جامع الزيتونة المعمور وصُنفت المدينة ضمن لائحة مواقع التراث العالمى لليونسكو أواخر سبعينات القرن الماضى، حيث حافظت على طابعها المعمارى التقليدى منذ قرون مضت.واعتاد تجار المدينة العتيقة منذ سنين على استقبال وفود سياحية مهمة من شأنها أن تنشط التجارة السياحية فى تلك الأسواق خلال أغلب فصول السنة وخصوصا منها الصيف الذى يمثل ذروة الموسم السياحى فى تونس.وكانت الأسواق التقليدية بالمدينة العتيقة ومازالت تلبى إلى حد اللحظة كل ما يحتاجه السائح الأجنبى الرفيع والمتوسط من صناعات تقليدية متقنة من شأنها أن تستقطب إعجابه لينفق فيها الكثير من العملة الصعبة.
ويعد المصوغ والعطورات والخزف والجلد والشاشية التقليدية إضافة إلى الزربية التونسية (السجاد المحلى) والمرقوم من أشهر الصناعات التقليدية التى تروج فى الأسواق العتيقة التونسية.كما تعتبر الملابس التقليدية مثل الجبة والبرنوس والتحف المعدنية الصغيرة من أبرز المنتجات التقليدية التى يقبل عليها السائح الأجنبى نظرا لجمال شكلها وصغر حجمها وانخفاض أثمانها.
وبحسب إحصائيات رسمية فى توس، تساهم صادرات قطاع الصناعات التقليدية بنحو 2 % من إجمالى الصادرات الوطنية ونحو 4 % من الناتج المحلى الخام. وتقدّر قيمة الاستثمارات السنوية فى هذا القطاع بنحو 18.8 مليون دينار كما يشغِّل القطاع قرابة 11 % من اليد العاملة التونسية بين إطارات وتجار وحرفيين وعمال حيث يوفر حوالى 350 ألف فرصة عمل.لكن وبعد اندلاع ثورة يناير2011 عاشت تلك الأسواق ركودا لم تعرف له مثيلا وذلك نظرا لتخوف الأجانب من الاضطرابات السياسية والأمنية التى عاشتها البلاد فى الآونة الأخيرة.
وفى زيارة لأحد أهم المتاجر التاريخية الواقعة فى عمق سوق اللفة بـ”المدينة العربى” بالعاصمة حيث التقى فريق الأناضول بصاحب المحل التاجر محمود النموشى، حيث سرد لنا بكل حسرة الوضع الاقتصادى الصعب والمتأزم الذى تعيشه سوق المدينة العتيقة نتيجة لانخفاض توافد السياح عليها. ودعا محمود النموشى كل الأطراف المشرفة على قطاع الصناعات التقليدية لتسهيل معاملات صغار التجار والحرفيين بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة التى تمر بها البلاد.وأشار التاجر فى سياق حديثه إلى التراجع الملحوظ فى المبيعات خاصة منها الزربية التى اهترأ بعضها وكسا الغبار بعضها الآخر.
وأكد الحاج محمود أن الأوضاع قادرة على التحسن فى حال التزم كل بواجبه وأخلاقيات مهنته قائلا إن مهنة التجارة مسئولية. وقال حمدة الجربى تاجر بأسواق المدينة العتقية فى حديثه مع مراسلة الأناضول إن السوق التقليدية أصبحت تعانى أزمة حقيقية لم تعرف لها مثيلا إذ برزت إبان الثورة وتعمقت مع الاضطرابات السياسية والأمنية الحاصلة مؤخرا فى البلاد.وأردف الحاج حمدة “كان وضع السوق أحسن قبل اغتيال البراهمى وحصول الأحداث الأخيرة بجبل الشعانبى إلا أن أزمة السوق تعمقت بعد ذلك فقد أصبحت أغلب المحلات تشهد زيارة بضع العشرات من الزوار كامل اليوم على خلاف الفترة السابقة حيث عرف سوقنا انتعاشة ملحوظة مع بداية الموسم السياحى.
ونفى الهادى حمدى مكلف بالإعلام للجامعة الوطنية لوكالات الأسفار وجود أية إحصائيات رسمية تفيد بإلغاء الحجوزات أو تراجع لعدد السياح الوافدين على تونس.وأضاف حمدى أن عددا من الجهات المكلفة بتوجيه السياح من جميع أنحاء العالم تتصل باستمرار للاستفسار عن الأوضاع فى البلاد خصوصا فى الفترة الأخيرة قصد طمأنة الحرفاء الراغبين بالقدوم إلى تونس. وكان من المرتقب أن تقترب مؤشرات السياحة لهذا العام إلى مستوى سنة 2010 العام الذى سبق الثورة والذى وصلت خلاله مؤشرات القطاع السياحى ذروتها حيث بلغ عدد السياح 7 ملايين سائح. وتشير إحصائيات رسمية إلى توافد حوالى 6 ملايين سائح على تونس فى العام الماضى حيث أقبلوا من مختلف أنحاء العالم وخاصة من أوروبا والمغرب العربى وأمريكا الشمالية إضافة إلى بلدان الشرق الأوسط
Add Comment