المتاحف والمعارض

جولة على أشهر متاحف هولندا

12

من أهمها متحف فان غوغ ورمبرانت

مثل «ميوزيومسنسيل» (جزيرة المتاحف) في برلين، و«ناشيونال مول» (الميدان الوطني) في واشنطن، تتجمع متاحف كثيرة في «ميوزيومبلاين» (ميدان المتاحف) في أمستردام، أكبرها هو «ريجكسميوزيوم» (متحف الدولة)، متحف هولندا الأول، وواحد من أكبر متاحف أوروبا. وفيه متحف الرسام «رمبرانت». وهناك متحف الرسام «فان غوغ»، ومتحف «ستتدليجك»، وقاعة «كونسيرتهاوس».

كان متحف «فان غوغ» جزءا من المتحف الكبير، ثم صار منفصلا، ويتصدره مكان لوحته «زهور الخشخاش» المسروقة. وكان متحف «رمبرانت» منفصلا أيضا، ثم صار جزءا من المتحف الرئيس، وتتصدره لوحته «نايت ووتش» (رقابة الليل).

في سنة 1800 تأسس متحف «ريجكس»، بعد نهاية احتلال القائد الفرنسي نابليون بونابرت لهولندا. وفي سنة 2003 أغلق المتحف لإجراء تصليحات، وإعادة تصميم أجزاء منه. وكلف ذلك أربعمائة مليون دولار تقريبا. وافتتحته، في أبريل (نيسان) الماضي، الملكة بياتريس، ملكة هولندا السابقة.

* مفارقات التاريخ

* من مفارقات التاريخ أن المتحف أعيد تصميمه تحت إشراف مهندسين معماريين من إسبانيا: أنتونيو كروز، وأنتونيو أورتيز. ويوم الافتتاح وقفا إلى جانب الملكة بياتريس. وتحدثت الملكة عن العلاقة القوية بين البلدين، لكنها لم تُشِر، مباشرة أو غير مباشرة، إلى ماضي هذه العلاقة. ذلك لأن إسبانيا احتلت هولندا لأكثر من مائة سنة. كانت إسبانيا سيطرت على كثير من المحيطات والبحار. قبل وبعد اكتشاف أميركا (سنة 1492).

* الاستعمار الهولندي

* يعتبر «فايكنغ» أجداد النرويجيين رواد المحيطات والبحار البعيدة في العالم. وعندما استعمروا الدول المجاورة، مثل هولندا، وبريطانيا، وبلجيكا، علموهم ارتياد البحار البعيدة. ثم استعمرت إسبانيا الهولنديين، وأيضا، علمتهم (وهي التي كانت اكتشفت أميركا). وهكذا جاء دور «هولندا الصغيرة» لتبحر، وتكتشف، وتستعمر.

ورغم أن هولندا كانت لها مستعمرات في أميركا الجنوبية، والبحر الكاريبي، كان استعمارها لإندونيسيا من نوع خاص، لأن إندونيسيا أولا مسلمة، بل أكبر دولة إسلامية في العالم، وقاومت الاستعمار الهولندي، ليس بالضرورة بإعلان «الجهاد»، ولكن، بصورة أو بأخرى، بحرب مسلمين ضد مسيحيين. لا يقول متحف «ريجكس» كل شيء عن هذا الماضي الاستعماري، لكنه على الأقل يعترف به. وهناك قسم خاص اسمه «هولندا كدولة استعمارية: 1800 – 1980».

وفيه أن هولندا، مثل بقية الدول الأوروبية، بدأت توسعات تجارية في دول العالم الثالث، ثم صارت سياسية، ثم صارت دينية. في البداية أسست هولندا «شركة الهند الشرقية الهولندية» (في جنوب شرقي آسيا)، و«شركة الهند الغربية الهولندية» (في أميركا الجنوبية، والبحر الكاريبي). ثم تحولت التجارة إلى استعمار، وخطط حكومية منظمة لنشر المسيحية. وفي تعاون قوي بين السياسيين ورجال الدين، انتشرت المسيحية في المناطق غير الإسلامية، وفي وقت لاحق بمساعدة سياسيين ورجال دين مسيحيين في أستراليا المجاورة. وحتى اليوم توجد في إندونيسيا جزر مسيحية، مثل «تيمور الشرقية» التي نالت استقلالها قبل أكثر من عشر سنوات. ومثل «بالي»، قبلة السياح الأوروبيين، خصوصا الهولنديين (في بالي، أيضا، أقلية هندوسية).

* العبدة «فلورا»

* توجد في المتحف لوحة «منزل جان برانديس»، في جزيرة جاوه في إندونيسيا. وفي اللوحة جان، وابنه، واسمه جان أيضا، والخادمة العبدة «فلورا»، وتاريخ اللوحة سنة 1784. وتوجد لوحة «سوق في جاوه»، وفيها خليط من ملامح أوروبية، وصينية، وجاوية، وملابس إسلامية (عباءات رجالية ونسائية)، وتاريخ اللوحة سنة 1825. ولوحة «استسلام الأمير ديبونيغورو»، وفيها الأمير المسلم يقف أمام الجنرال الهولندي بارغون دي كوك، وتاريخ اللوحة 1830. وتوجد لوحات ومعلومات عن «تمرد سنة 1825» (دون القول إنه كان «حرب استقلال وطنية»).

* نشر المسيحية

* في متحف «ريجكيس» لوحات، ورسومات، وتماثيل، مسيحية تصور تاريخ هولندا المسيحي. في المتحف، في القسم الخاص بالمستعمرات في إندونيسيا،، توجد إشارات كثيرة إلى هولنديين كانوا يريدون نشر المسيحية هناك. وتقول لوحة في المتحف: «بعد أن سيطر الجيش الهولندي سيطرة كاملة عل الجزيرتين الكبيرتين: سومطرة، وجاوه، ثم على كل أرخيبل جزر الهند الشرقية، انهزم الأهالي هزيمة كاملة. لكن لم يجلب الهولنديون فقط الهزيمة، بل والدمار. ظهرت في هولندا حركات ومنظمات مسيحية، وتقدمية، لنشر القيم الأخلاقية في المستعمرة».

* كاتدرائية دلفت

* أمستردام، حيث متحف «ريكس»، هي عاصمة هولندا الرسمية. وروتردام، حيث أكبر ميناء في أوروبا، هي العاصمة الاقتصادية. ولاهاي، حيث محكمة العدل الدولية، هي العاصمة العالمية. ودلفت، حيث القصر الملكي القديم والكاتدرائية الأولى، هي العاصمة التاريخية. وهي العاصمة «الدينية» أيضا.

في هذه الدولة «العلمانية»، هنا جذور ما يمكن أن تسمى «الحضارة الهولندية». وأصر «هندريكز»، المرشد السياحي لمجموعة من السياح الأميركيين، على أن يزوروا الكاتدرائية التاريخية. وقال: «نحن علمانيون، لكن لا يمكن أن ننسى أن جذورنا مسيحية». وخلال الجولة في الكاتدرائية، كان واضحا عليه فخره بجذوره. وكرر أنه لا يذهب إلى الكنيسة يوم الأحد، ولا يعتبر نفسه «مسيحيا متدينا». ومما قال: «أؤمن بدين الفردية، وأعرف وأطبق أساس هذا الدين: لا تؤذِ الآخرين مثلما لا تريد للآخرين أن يؤذوك».

يوجد على الأرض، في وسط الكاتدرائية، غطاء عملاق من الحديد الصلب يغطي سلالم تقود إلى تحت الكاتدرائية. ويرفع الغطاء فقط يوم دفن ملك، أو ملكة. بعد مراسيم الصلاة، ينقل النعش إلى تحت الأرض حيث يدفن يبقى الجثمان محنطا.

وعلى جدار الكاتدرائية خريطة توضح صفوف النعوش وقد رصت تحت الأرض. منذ قرون وقرون. لا يفتح أسفل الكاتدرائية إلا وقت دفن ملك، أو ملكة. ولا يدخله شخص غير وقت الدفن. ولا يدفن في المكان غير الملوك والملكات.

* «شيبفارت».. تجارة العبيد

* في سنة 1738 كانت السفينة «لوستدن»، التابعة للشركة الهولندية لجزر الهند الغربية (الآن: جزر البحر الكاريبي)، تحمل سبعمائة من العبيد السود من غرب أفريقيا إلى مستعمرة غيانا الهولندية (الآن: سورينام)، رجالا، ونساء، وأطفالا، مسلمين ومسيحيين، زعماء قبائل، وأئمة مساجد.

وعندما اقتربت السفينة من الساحل، هبت عليها عاصفة قوية، وصار واضحا أن السفينة ستغرق. وخاف قائد السفينة الهولندي من أن يتسلق العبيد من أماكن احتجازهم المزدحمة في أسفل السفينة إلى سطحها، ويسرعوا نحو زوارق النجاة القليلة العدد. وأمر بإغلاق كل المنافذ. وبينما نجا الهولنديون في زوارق النجاة، غرق كل العبيد عندما غرقت السفينة.

* متحف «فان غوغ»

* بين متحفي «ريجكس» و«ستيدلجك» يقع متحف الرسام فنسنت فان غوغ (توفي سنة 1890). وينافس رمبرانت كأشهر رسامين في تاريخ هولندا. يشتهر برسومات خشنة الفرشاة، وقوية الألوان. وتبدو متناقضة: في جانب، الطبيعة الجميلة، مثل لوحته «زهور الخشخاس». وفي الجانب الآخر، الوجوه العابسة. حتى عندما رسم نفسه، رسم وجهه عابسا، أو حائرا، أو قلقا، كل شيء إلا مبتسما.

ينطق أهله الهولنديون اسمه «فان غوغ»، وينطقه الأميركيون «فان غو»، وينطقه العرب «فان جوخ». وعانى من اكتئاب وتوتر وقلق. وقضى سنوات في مصحة عقلية (ورسمها، قاتمة عابسة). ولم يكن غريبا أنه انتحر وعمره 37 سنة فقط. أطلق النار على نفسه من بندقية. وبطريقة ما أخفى البندقية، ولم يعثر عليها حتى الآن. مأساة بعد مأساة. لكنه، على الأقل، دونها. وفي جزء من المعرض خطابات كان يكتبها لاخيه ثيو. وفيها مشكلاته المالية والنفسية. أكثر من ستمائة خطاب، صارت دراستها هي نفسها فنا من الفنون.

الذي يزور المتحف يلاحظ لوحة فيها شرقي: الشعر الأسود، الشارب الكثيف، والبدلة المزخرفة، واللباس الفضفاض، والقبعة التركية الحمراء. يبدو جزائريا، ومغربيا. اسم اللوحة «زواره»، ورغم أنها لفرنسي فإن أصل الملابس جزائري. من زواره، من منطقة قبائل البربر في الجزائر. في القرن التاسع عشر، حاربوا مع الفرنسيين في الحروب الأوروبية. وأعجبت ملابسهم جنودا فرنسيين، وصاروا يلبسونها. ليسوا جنودا نظاميين، ولكنهم «جنود مرتزقة»، يستأجرون ليحاربوا.

رغم أن فان غوغ لم يساهم كثيرا في رسومات «أورينتاليزم» (الاستشراق)، ارتبط اسم العرب به خلال السنوات القليلة الماضية: في سنة 2010، سرقت لوحته «زهور الخشخاش» عندما كانت عرضت في متحف محمد محمود خليل في القاهرة، ولم يعثر عليها حتى الآن. وفي سنة 2009 تأسس في دبي معهد فان غوغ للرسم والفنون، وفي سنة 2011، أصدرت إمارة أم القوين (الإمارات العربية المتحدة) طابع فان غوغ، رسم رسمه هو نفسه. وفي سنة 2004 اشتهر فان غوغ آخر، ثيو، الهولندي الذي أخرج فيلما يسيء إلى الإسلام، وقتله المهاجر المغربي محمد بويري. وهو حفيد أخي الرسام.

* متحف «رمبرانت»

* عاش رمبرانت (توفي سنة 1669) قبل فان غوغ بمائتي سنة تقريبا. وإذا كان غوغ هولنديا، وربما أيضا فرنسيا، في الشهرة، فإن رمبرانت مشهور أكثر، عالميا وتاريخيا. رسوماته أكثر دقة، وأكثر تصويرا، وأكثر تعبيرا، وأهم من ذلك كله، لها طابع ديني مسيحي.

رسومات فان غوغ فردية خشنة (مثل: زهرة، وجه، منزل). ورسومات رمبرانت تعبيرية مفصلة (مثل: «خطف أوروبا» و«حارس الليل» و«الفارس البولندي»). والرسوم المسيحية رائعة، وفيها تفصيلات دقيقة: «جاكوب» (النبي يعقوب) و«الصلبان الثلاثة» و«عاصفة على بحر الجليل» و«الراهبة».

ورسم رمبرانت «عروسة يهودية»، ورسومات أخرى عن يهود أمستردام في ذلك الوقت، الذين كانوا يعيشون في عزلة وشبه مقاطعة من جانب المسيحيين. وربما لاهتمامه بهم، وبأقليات أخرى، يوصف رمبرانت أحيانا بأنه «أحسن رسام (إنساني) في الحضارة الغربية».

لا يمكن اعتبار رمبرات من الرسامين الأوروبيين المستشرقين. ولا يعرف عنه أنه سافر إلى الشرق الأوسط، ورسم الحياة خلال حكم الخلافة التركية، لكنه رسم شرقيين: «ثلاثة رجال شرقيين» و«رجل في عباءة شرقية» و«امرأة بغطاء رأس شرقي». ورسم نفسه يرتدي قبعة شرقية.لكن، لا توجد كل رسومات رمبرانت هنا. جزء منها في متحف في لاهاي، وآخر في متحف «هرميتاج» في سنت بيترزبيرغ في روسيا. وهناك لوحة أو لوحتان في متاحف في واشنطن، وبرلين، ولندن، وباريس.

والذي يزور القسم الخاص برسوماته في متحف «ريجكس» العملاق يلاحظ لغطا حول اسم «رمبرانت». مثل اللغط حول اسم «فان غوغ». اسمه بالكامل «رمبرانت فان ريجن» (القادم من منطقة ريجن). لكنه كان يوقع على لوحاته باسم «رمبرانت» فقط. وأحيانا بالحروف الأولى من اسمه واسم العائلة. وأحيانا «رمبرانت هارمنزون» (رمبرانت ابن هارمن).

admin

الرؤية: توفير محتوى عربي مميز
الرسالة: ايصال المعلومة بشكل شيق ومفيد

Add Comment

انقر هنا لإضافة تعليق

الاقسام

اعلانات