الحقيقة التي يجهلها معظمنا هو أن التحكّم بالمعلومات التاريخية يُعدّ أمراً أساسياً في السيطرة. أقول ذلك لأن التاريخ البشري الحقيقي هو مختلف تماماً عن ما نتصوّره. لكي تتمكّن من السيطرة على مجموعة كبيرة من البشر، كل ما عليك فعله هو إقناعهم بأنهم من النوع المتدنّي.
هذه السياسة الناجحة كانت معروفة لدى كافة القوى الاستعمارية التي برزت عبر التاريخ. من أجل السيطرة علينا (نحن البشر)، وجب أن يغرسوا في أذهاننا فكرة أننا كائنات خرجنا توا من مرحلة البدائية والتوحّش، وبدأنا توا ندخل في مرحلة التقدّم التدريجي البطيء. من أجل الاستمرار في إقناعنا بأننا مجرّد كائنات غبية لا جدوى منها، ولا أمل في الارتقاء والتقدّم سوى بشكل تدريجي وبطيء، كل ما عليهم فعله هو فصلنا عن ماضينا المجيد. ذلك الماضي المزدهر الذي كان فيه الإنسان يسافر بين النجوم ويحوز على أرقى العلوم والمعارف، ويتمتع بأعلى درجات الحكمة. نعم يا سيدي.. هكذا كان أجدادنا في الماضي البعيد. لكن هذه المعلومات غير مناسبة للمتحكمين، لأنها ترفع من معنوياتنا وتنهض بروحنا إلى أعلى المستويات. وستجعلنا نتساءل عن مصير تلك العلوم والمعارف المتطورة وماذا حلّ بها… وكيف تراجعنا إلى هذا المستوى من الانحطاط… وغيرها من تساؤلات لا تجلب للمسيطرين سوى وجع الرأس. فما الحلّ إذاً؟ جعلوا أسلافنا قروداً! ونحن عبارة عن كائنات تتخبّط في درب طويلة ومضنية وأليمة نحو التقدّم والارتقاء. حينها فقط ستتوقّف التساؤلات، وتنخفض معنويات الشعوب إلى مستوى قابل للسيطرة والتوجيه.
السجلات القديمة بكاملها قد دمرت واحرقت عمدا عن سابق اصرار وتصميم
كان تدمير السجلات المطبوعة والمخطوطات القديمة أعظم بكثير مما هو متوقع. فمكتبة الإسكندرية الأولى (والتي كانت عظيمة) احتوت يوماً على مليون مخطوط يتضمن مواضيع عن العلوم والفلسفة وأسرار العالم القديم (متضمنة أيضاً فهرس كامل للمؤلفين في 120 نسخة مع سيرة ذاتية مختصرة لكل مؤلف) وفي إحدى أحداث التخريب المقصود، دمر يوليوس قيصر 700000 مخطوطة نادرة في هذه المكتبة! هل تعلم أن مكتبة الإسكندرية استخدمت في إحدى الفترات كمصدر للوقود لـ 400 حمام عام من حمامات المدينة حيث استمرّ حرق الكتب لمدة ستة أشهر؟! وهذا الدمار الكلي طال أوراق البردي في مكتبة ممفيس Memphis أيضاً.
هل تعلم أنه لم يصل إلينا من الأدب اليوناني والروماني سوى أقل من واحد بالمائة؟! ربما لهذا السبب لازلنا جاهلين عن ما كان يجري بالضبط في العالم القديم… نحن لسنا على إطلاع بتراثنا الإنساني القديم. يقول الباحث أندرو توماس بأنه علينا أن نعتمد على الأجزاء غير المترابطة والعبارات والمقاطع الهزيلة في سبيل بناء صورة عن الماضي. إن ماضينا البعيد هو عبارة عن فراغ مملوء عشوائيا بلوحات تذكارية وتماثيل ورسومات وعدة أدوات ومصنوعات أثرية سخيفة. لو أن مكتبة الاسكندرية صمدت حتى اليوم، لكان التاريخ العلمي مختلفاً تماماً، ولكنا تعرفنا على عظمة أسلافنا القدماء ورقيهم. إليكم بعض الأحداث الموثّقة التي ذكرتها السجلات التاريخية التي تروي تفاصيل مملة عن المجازر التي تعرّضت لها المكتبات:
ـ في عام 335 ق.م أحرق الإسكندر الأكبر مكتبة برسيبولس، ويقال أنه كان فيها عشرة آلاف مخطوط.
ـ في سنة 270 ق.م، قام الإمبراطور الصيني “تسي شن هوانغ” بإحراق جميع الكتب العلمية والتاريخيّة الصينيّة، ويقال أن عددها كان مئة ألف مخطوط.
ـ وفي الصين أيضاً، نشر الإمبراطور شي هوانغ تي إعلاناً عام 213 ق .م. يقضي بتدمير عددا لا يحصى من الكتب.
ـ وقد دمرت مكتبة قرطاج والتي كانت تضم 500.000 مخطوط بنار أشعلها الرومان مدة سبع عشر يوما وذلك في عام 146 ق.م وهذا ما حصل كذلك لمكتبة بيرغاموس Pergamos في آسيا الصغرى والتي تحتوي على 200000 نسخة.
ـ في عام 48 ق.م، أحرقت جميع الكتب الملحقة بمعبد أبولو في اليونان.
ـ في عام 48 ق.م، قام يوليوس قيصر بإحراق مكتبة الإسكندريّة.
ـ وفي مدينة أوتن الفرنسية Autun، طمست العديد من المخطوطات المذهلة في مجالات الفلسفة والطب وعلم الفلك وعلوم أخرى وذلك على يد يوليوس قيصر. هذا ولم تنجوا أية مخطوطة منها.
ـ في السنة الأولى بعد الميلاد، أحرق الإمبراطور الروماني أغسطس كل الكتب الغريبة على الرومانيين، ومصدرها الهند والتبت ومصر الفرعونية، وكان عددها ألفي كتاب.
ـ في سنة 54 م، أمر القدّيس بولس بإحراق جميع الكتب الموجودة في مدينة افسوس.
ـ في سنة 296 م، أمر الإمبراطور دقليانوس بحرق جميع الكتب والمخطوطات الإغريقيّة والفرعونيّة الموجودة في البلاد.
ـ في نهاية القرن الثالث، قام الحكام بإحراق جميع مكتبات افسوس مرة ثانية، والتي احتوت على الآلاف من الكتب والمراجع النّادرة.
ـ في سنة 389 م، أحرق الإمبراطور تيودوسيوس جميع المكتبات المعروفة في عصره، وكانت أعدادها هائلة جداً.
ـ في سنة 490 م، أحرقت مكتبة الإسكندريّة مرة ثانية
ـ في سنة 510 م، هاجمت الجماهير مكتبة روما وأتلفوا كل ما احتوته من كتب ومخطوطات مهمّة تعد بعشرات الآلاف.
ـ في سنة 641 م، أحرقت مكتبة الإسكندريّة مرة ثالثة.
ـ في سنة 728 م، أحرق ليون ايزوري مكتبة بيزنطة، وكان فيها ما يزيد على نصف مليون كتاب.
ـ في سنة 789 م، أحرق الملك شارلمان جميع المخطوطات والمراجع الوثنيّة المضادة للكنيسة.
ـ وقد دمر القسم الأكبر من الأدب الأوروبي الكلاسيكي بسبب التدمير المنظم من قبل الكنيسة البابوية في سبيل القضاء على الوثنية. طالت هذه العملية جميع أنحاء أوروبا. والشيء المفاجئ هو نجاة كتابات هوميروس رغم إتلاف مجموعة معروفة لبيزيسترتوس في أثينا بنفس الوقت، وذلك في القرن السادس.
ـ أحرق ليو إزاروس Leo isaurusفي القرن الثامن 300000 كتاب في القسطنطينية.
ـ في سنة 1221 م، أحرق هولاكو مكتبات العراق.
ـ في القرن الثالث عشر كان الكهنة قد انتهوا من إحراق كل المكتبات في جميع أنحاء أوروبا.
ـ في القرن الرابع عشر، قامت محاكم التفتيش بحرق جميع الكتب والمراجع المضادة للكنيسة خوفاً من تأثيرها السلبي على الشعب.
ـ في القرن السادس عشر، قام الأرشيدوق “دييغو دي لاندا” بحرق كل مكتبات المكسيك القديمة.
ـ بحث الغزاة الأسبان عن كل الآداب المتعلقة بحضارة المايا وقاموا بتدميرها دماراً كاملاً بصفتها علوم وثنية (باستثناء أربع وثائق فقط! موجودة الآن في متاحف أوروبية). وقد تحدث الكثير من الشهود عن الصرخات المعذبة التي أطلقها علماء المايا خلال رؤيتهم أعمالهم وأعمال أسلافهم تحترق أمام أعينهم وتتتطاير مع اللهب مما أدى إلى انتحار البعض منهم.
ـ في سنة 1566 م، أمر نائب ملك البيرو، كان اسمه “فرانشيسكو الطليدي”، بحرق كل الرسوم والنقوش الموجودة على اللّوحات وجدران المعابد القديمة، والتي تحدثت جميعها عن حضارات أمريكا الجنوبية التي لازالت غامضة حتى الآن.
ـ أقر مجلس ليما في العام 1583م، بحرق الحبال المعقودة Quipasالتي كتب شعب الإنكا تاريخهم وتاريخ أسلافهم عليها!… يا لها من مذبحة…! فقدت فيها أعظم مخازن المعرفة في العالم القديم… وإلى الأبد…
ـ في القرن الثامن عشر، هبط الكاهن سيكار إلى مصر، وراح يجوب البلاد ويشتري المخطوطات النادرة من الأهالي ثم يحرقها! بقصد القضاء تماماً على العلوم الوثنية المعادية للدين.
ـ في سنة 1790م، قامت محاكم التفتيش بإحراق جميع أعمال العبقري البرتغالي “جيسماو” الذي توصل إلى صنع أول طائرة في التّاريخ الإنساني المكتوب، بالإضافة إلى علوم الكيمياء الغريبة التي أبدع بها.
ـ في الحروب النابليونيّة، تم تدمير أو نهب الكثير من المكتبات الكبيرة في أوروبا.
ـ في الحرب العالمية الأولى، دمرت مكتبات أو حرقت أو نهبت.
ـ الحرب العالمية الثانية، تم تدمير مكتبات كثيرة تحتوي على مخطوطات ومراجع نادرة لا يمكن استعاضتها أبداً. وفقد الإنسان علوم كثيرة تم التوصل إليها حديثاً، لكنّها اختفت من الذاكرة الإنسانية بعد هذا التاريخ… وربما إلى الأبد.
يجب أن نتذكر أمراً مهماً هو أنَّ كلَّ معركة، كلّ غزوة، كلّ ثورة أو انقلاب جماهيري عبر التاريخ الإنساني الطويل، لا بدّ من أن يتمّ فيها حرق وتدمير ونهب الكتب والمراجع والمخطوطات والتّماثيل والرّسومات والنّقوش وغيرها من أشياء تمثّل فكر معيّن شاء القدر أن يمحوه تماماً من الوجود.
هذه المجازر الثقافية هي حقيقة صارخة جارحة…
لا زالت المؤسسات الأكاديمية ترسّخ فكرة أنّ الحضارات الإنسانيّة يعود تاريخها إلى أقل من عشرة آلاف عام، وليس أكثر من ذلك. أمّا الفترة التي سبقت هذا التّاريخ، فكان الإنسان حينها عبارة عن كائن متنقّل من مكان لآخر يعتاش على الصيد وقطف الثمار، ثم استقرّ بالقرب من مصادر المياه الدّائمة كالأنهار والبحيرات، فاكتشف الزّراعة، ثم أُقيمت المستوطنات الصّغيرة، ثم كبرت وأصبحت مدناً، ثم حضارات، وهكذا.. أليس هذا ما نعتقده ونؤمن به؟. لكنَّ الذي لا نعرفه هو وجود وثائق مقدّمة من قبل علماء آثار وأنثروبولوجيا مرموقين تحتوي على اكتشافات ودلائل وإثباتات لا تحصى تشير إلى أن في فترة من فترات التّاريخ السّحيقة كان هناك حضارات متقدّمة جداً عاشت وازدهرت على هذه الأرض! ويعود تاريخها لمئات ألآلاف من السنين!.. إن التاريخ الإنساني الحقيقي لا يتم مداولته في وسائل الإعلام الغربية ولا حتى في المؤسسات التعليميَّة رغم الكم الهائل من الاكتشافات الأثرية المثيرة التي يمكن الاعتماد عليها في بناء قصة كاملة متكاملة حول الأصول الحقيقية للإنسان.
إنّ القصّة التي سترويها مجموعة “العالم قبل التاريخ” تتعلّق بتكنولوجيا كان أصحابها أغنى بكثير ممّا نتخيّل. وستكتشفون كيف أنّ الطّوفان الذي أصاب العالم قد حوّل هذه الحضارات إلى أشلاء، وسنقرأ عن المحاولات اللاحقة لأحياء هذا المجد الضّائع، وعن المحرقة النّاريّة التي تخلّلت ذلك، حتى أصبح معظم النّاجين متوحشين وهمجيّين. إنّه وقت الحقيقة، فالنّظريات العديدة السائدة اليوم قد خدعت الكثير من الناس لسنوات عديدة، لكن لكل شيء نهاية. سوف لن نتمكّن من معرفة جميع الحقائق، ولكن لدينا من الأدلّة ما يكفي لنحرق كلّ علومنا ومعارفنا التّقليديّة التي خُدعنا بها.
الكارثة الكونية
قبل عدة آلاف من السنينن اختفى فجأة المليارات من البشر ومُسحوا تماماً مع تقنياتهم المذهلة من على وجه الأرض. هذا العرق البشري المتفوّق تكنولوجياً سبقنا إلى القمر، وفي صنع الطائرات، وكذلك الحرب النّوويّة! لقد أصبح لدينا كمية كبيرة من المعلومات المذهلة عن هذه الحضارات المتقدّمة جداً، والتي دمّرت بالكامل وأزيلت عن الوجود نتيجة كارثة كونية شاملة أنتجت موجات عملاقة من الماء بلغ ارتفاعها 6000 قدم. وقد عرفت هذه الكارثة في العالم باسم الطّوفان العظيم. سوف تتعرفون في هذا القسم على الآثار الجيولوجية التي خلفها هذا الطوفان العظيم والتي لازالت قائمة حتى اليوم. بالإضافة إلى دلائل وإثباتات أثرية وكتابية (مخطوطات قديمة) لا يمكن تجاهله…
تتحدث وجهة النّظر السّائدة أكاديمياً عن ظهورنا كبدائيّين في بدايات العصر الحجريّ، وأنّها كانت خطوات بطيئة لكنها ثابتة باتجاه الحضارة. لكن جميع الدلائل والاكتشافات أشارت إلى حقيقة مختلفة تماماً. كيف يمكن لعاقل أن يصدّق بالظّهور المفاجئ للحضارات في كلّ أرجاء العالم وبنفس الوقت قبل خمسة آلاف عام؟! فقست من لا شيء على الإطلاق. هناك مصر التي نشأت فجأة من حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، وتطوّرت دون الانتقال من مرحلة بدائيّة. وسومر التي ظهرت من حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، حيث تشبه هذه الحضارة السّومريّة بمواصفاتها الحضارة المصريّة، من جهة ظهورها بشكل فجائيّ وغير متوقّع، وانبثاقها من الفراغ. الدّلائل المكتشفة في موقع هارابا Harappa وموهينجو دارو Mohenjo-Daro بين الهند وباكستان، حيث كان الدّليل الرّئيسي على الحضارة الهندوسية التي ظهرت فجأة دون أيّة آثار واضحة لتطوّرها التّدريجي من مراحل بدائية. شعب المايا في أمريكا، يدخلون ضمن هذه الفرضيّة، ويعود التّقويم الزّمني لهذه الشّعوب إلى نفس الفترة تقريباً (3000 ق.م) ودون شك، فقد كانت نصوصهم واضحة وكاملة مع بداية تاريخهم الثّقافي. ظهر بناة الحجارة العملاقة في جنوب غرب أوروبّا في نفس الفترة تقريباً، وكلّ الانجازات التي قاموا بها كانت متطابقة مع الحضارات الأخرى، الاكتشاف المتزامن للمثلّثات الفيثاغورية، والتّقويم الزّمني الدّقيق، والبوصلة الحقيقية التي تحدّد جهة الشّمال بدقّة، ومعرفة تحرّكات الأجسام السّماوية، من ضمنها كانت معرفة حقيقة أنّ الأرض هي كرويّة الشّكل، ونظام القياس الدّقيق أيضاً. كانت تلك الحضارات القديمة المتطورة بشكل لا يصدّق. هناك شيء واحد فقط يمكنه تفسير سبب حضارتهم الرّاقية، هذه الأمم أخذت تراثها من العالم الذي انهار في الطّوفان، وبدأت تلك الأمم من النّقطة التي انتهت عندها الحضارات المندثرة في الطوفان. ويجب أن يكون لدى هؤلاء النّاجين من الطّوفان معرفة كافية عن العصر القديم الذي سبق الطوفان لإعطاء انطلاقة جديدة للثّقافات الجديدة التي نشأت وتطوّرت فجأة.
إذا كان علينا تصديق القصص التي تناولت الأعراق القديمة، فنستنتج بأن تاريخ الإنسان المبكّر هو في الواقع تاريخ عظيم ومدهش. كان عصراً ذهبياً لحضارة متقدّمة وشعوب جبارة، كانوا يمتلكون ذكاء وتقنيّات تفوق ما نمتلكه الآن. يبدو أن هذا الواقع هو حقيقة عالميّة، عرفها كل شخص عاش في العصور القديمة. وتؤكّد النّصوص المقدّسة أنّ البشر امتلكوا منذ البداية – حال خروج الإنسان من الجنّة – قدرات عقلية استثنائيّة. وانطلاقاً من الأرض البكر (مدمرة تماماً بعد الكارثة الكونية) فقد توصلوا إلى بناء حضارة ذات مستوى رفيع بعد مرور ستة أجيال فقط على وجودهم الأوّل. وخلال تلك الفترة القصيرة أصبحوا قادرين على بناء المدن وصناعة آلات موسيقية معقّدة، حتّى أنّهم استطاعوا صهر المعادن. وفي الحقيقة، مع مثل هذه التّطورات العلميّة، يبدو أنّ القدماء لم يكونوا أغبياء أو ذوي خلفية متوحّشة. لقد انتشر الناجون من هذه الكارثة الكونية ليعيدوا إنشاء حضارات متقدمة تكنولوجياً، لكن بدرجة أقلّ من السابقة، ولكنّهم كانوا على معرفة جيدة بأصول حضارة أسلافهم العظماء. في الحقيقة، فإن نظرية التّطور (التقدم التّدريجي للإنسان) لا تستطيع أن تصمد أمام الحقائق المستخلصة من الاكتشافات الأثرية مجتمعة، فجميعها تشير إلى حقيقة واضحة فحواها أن الإنسان كان متقدّماً جداً تكنولوجياً وفكرياً وعاش في مدن عظيمة وبنى حضارة جبارة، لكن هذه الحضارة تراجعت وانحدر بعدها الإنسان من القمة إلى الحضيض، حيث حياة البدائية والتوحّش.
آلاف القطع الأثرية التي تكشف عن تكنولوجيا في غاية التطوّر! وهذه التكنولوجيا الخارقة لم تكن محصورة في مكان واحد، فالقطع الأثرية اكتُشفت في مواقع مختلفة حول العالم. أي أن كامل الكرة الأرضيَّة كان يسودها في إحدى فترات التاريخ السحيق نموذج موحد من التكنولوجيا المتطورة. لقد أصبح لدينا الآلاف من البراهين والإثباتات على وجود هذه الحضارة العظيمة المفقودة وأصولها وسلالاتها المتعاقبة. مجالات كثيرة مثل علم الجغرافية، الفلك، الرّياضيات، المعادن، الأعمال الزّجاجية، رفع الحجارة العملاقة، تقنيات البناء، الاختراعات الميكانيكية، الألبسة، الفنّ، الصّحّة، الكهرباء، الطّيران، الأسرار المفقودة، والأسلحة المتطورة وغيرها من المجالات التي تكشفها قائمة طويلة جداً تثبت بشدّة وجود تقنيات قديمة متفوّقة على التّقنيات الموجودة في أيّامنا الحاليّة، وطبعاً وجب أن لا ننسى تلك العلوم والمعارف الرفيعة المستوى التي تتوارثها المدارس السرّية والمحافل الماسونية المختلفة (والتي لازلنا نعتبرها علوم سحرية تافهة)، حيث تمثّل إثبات دامغ على وجود حضارات عظيمة ازدهرت يوماً في إحدى فترات التاريخ السحيق
بالنسبة للذين يعرفون الحقيقة، يبدو العالم الحالي “..عبارة عن ظلّ شاحب.. أو ممثّل مؤقّت يتبختر ويتوغّر على المسرح مؤدياً دوره المحدود ومن ثم يختفي إلى ظلام الكواليس..”، إنهم يشعرون أنه بالمقارنة مع ما كان معروفاً ومفهوماً عن واقعنا الحقيقي هنا في هذا الكوكب، سيبدو مجتمعنا البشري العصري مجرّد “..حكاية سخيفة يرويها أحد الحمقى، بحيث لا مغزى لها ولا معنى..”. ففي خلفية الوجود البشري على هذا الكوكب، هناك ماضي عظيم جداً، وراقي جداً، لدرجة أن استيعاب فكرة وجوده كان يُعتبر وثبة كبيرة في التفكير المنطقي والتي فقط القليلون تجرّؤا على اتخاذها قبل منتصف القرن العشرين. وحتى في تلك الفترة، كانت الأساطير التي روتها المخطوطات القديمة، واللُقى الأثرية المُكتشفة، مدهشة جداً حتى بالنسبة لإنسان القرن الواحد والعشرين (عندما نفهمها بشكل صحيح) حيث أن معظمنا لازال رافضاً تصديق المستحيل ـ كيف يمكن لهكذا حضارة أن تكون موجودة فعلاً في ذلك الماضي السحيق؟!
ومع ذلك، فهذه الحضارة كانت حقيقية جداً بحيث ليس من الصعب إيجاد الإثباتات. وربما طبيعة هذه الإثباتات ذاتها سوف تخلق ثورة فعلية في التكنولوجيا وطريقة التفكير البشري في حضارتنا الحالية. كان لسكان تلك الحضارة القديمة فهم عميق ومباشر للوجود والكون والعقل الكوني وآلية عمله. هذه المعرفة العميقة كانت عملية جداً بحيث تم استثمارها لخلق تكنولوجيات عظيمة لدرجة أنها حتى اليوم، بالنسبة لنا، تتجاوز كل ما نستطيع تصوّره أو استيعابه. وطبعاً، دون الخلفية الروحانية لعُلماء تلك الحضارة، تصبح هذه التكنولوجيات العظيمة مستحيلة التطبيق.
وبالنسبة للذين رغبوا في تتبع هذا الموضوع باهتمام، وخلال عودتهم إلى الوراء والنظر إلى ذلك الإرث الذي خلفته تلك الحضارة الجبارة، سوف يجدون الإجابات الشافية على كافة الأسئلة الإنسانية العميقة بخصوص الطبيعة العلمية للكون. كل شيء تم تفسيره منذ ذلك الزمن البعيد. وخلال مسيرتنا الاستكشافية لهذا العالم الرائع، سوف نكتشف الأسرار خلف ابتكار تقنيات عديدة مثل آلات مولّدة للطاقة الحرّة غير المحدودة، أنظمة مضادة للجاذبية، أنظمة دفع خارقة أسرع من الضوء، أجهزة وآلات تتفاعل مع الوعي البشري، ودون هذا التفاعل لا تستطيع العمل. وبالإضافة إلى فهم الهيكلية الدورية الزمنية/المكانية للكون بحيث تم استثمار هذه المعرفة بشكل بارع للتنبؤ باحتمالات مستقبلية دقيقة، وكذلك طريقة استيعابهم للتفاعل المعقّد للطاقات الكونية والذي يخلق الوهم المتمثّل بـ”الواقع المادي الملموس” من خلف الستار، وأيضاً التعريف الدقيق للطبيعة الروحية الحقيقية لذلك الجانب الخفي والمراوغ في الإنسان والمعروف بالـ”روح” أو “النفس”… وغيرها من روائع معرفية لا يمكننا سوى الخضوع أمامها برهبة وخشوع.
العصر الذهبي للتكنولوجيا المستقبلية، والذي وعدتنا به مصادر نبوئية عديدة، كان موجوداً بالفعل على سطح هذا الكوكب قبل أكثر من 12.000 سنة. سوف تجدون البرهان على أن تلك الحضارة الغابرة، والمعروفة بشكل عام بـ”أطلنطس”، كانت ملمّة بالتقنيات والعلوم المذكورة هنا، وأسرار كثيرة أخرى، وكانت تستخدمها بطريقة أكثر فعالية وأكثر روحانية مما نستطيع الحلم به اليوم.
رغم هذا كله، لازالت مؤسسات “علم الآثار والتاريخ” الرسمية تقوم، كما باقي المؤسسات العلمية والفكرية الرسمية الأخرى، باختلاق القصص الوهمية، وتسميها حقائق ثابتة، متجاهلة بكل بساطة كل تلك الإثباتات والدلائل الهائلة التي تثبت بأنهم مخطئون تماماً. أعتقد بأننا أصبحنا ندرك السياسة الحقيقية لهذه المؤسسات العلمية الغربية، والتي لا تهدف للتعليم من أجل التنوير، بل غرس المعلومات من أجل التضليل. وكل من لا يمتثل للخط الرسمي في “علم التاريخ” يُعزل فوراً من قبل زملائه الأكاديميين وعلماء آثار. فالأكاديميين الممتثلين للمنهج الرسمي يُقسمون إلى نوعين: هناك الذين علمتهم ظروف الحياة القاسية بأنه من الأفضل الاستمرار بتسويق الأكاذيب، تناغماً مع السلطات العلمية، من أجل المحافظة على الوظيفة والمدخول المادي والأمان الاجتماعي. والنوع الثاني يشمل الحمقى الذين لا يرون أبعد من أنوفهم.
إن هذا الوضع المخزي والأليم الذي يجري في العالم الأكاديمي الغربي يمثّل فضيحة بكل ما تعنيه الكلمة. هذا الإخفاء المقصود من قبل القائمين على المؤسسات التعليميَّة (الغربية طبعاً) يحرمنا من فوائد كثيرة لا يمكن تقدير مدى أهميتها. يكفي أن نعلم بأن هذا العمل الخبيث يمنعنا من معرفة حقيقة أسلافنا القدماء ومدى العظمة التي تمتعوا بها. أما الفوائد التي يمكن استخلاصها من العلوم التي سادت في تلك العصور السحيقة، والتي يمكنها جعل حياتنا أفضل وأرقى روحياً ووجدانياً، فلا زلنا نُحرم منها بسبب تجاهلها والتقليل من قيمتها والحطّ من مستواها العلمي بشكل مقصود. نحن لازلنا ضحايا عمليَّة خداع كبرى. إنهم يزودونا بمعلومات خاطئة طوال الوقت. ما هو السبب؟
المئات من القطع الأثريَّة، التي من المفروض أنها غير موجودة طبقاً لما تعلمناه في المدرسة، لازالت مرمية في مخازن مخفيّة بعيداً عن العامة، أو تمَّ التخلص منها عن طريق رميها في المحيط.. العشرات من المواقع الأثريَّة حرمت على باحثي الآثار الذين طالما كانت تساؤلاتهم محرجة بالنسبة للقائمين على المؤسسات العلميَّة الرسميَّة. طُلِبَ من عدد كبير من علماء الآثار أن يتجاهلوا اكتشافات أثريَّة كبرى، وطمس حقائق تاريخيَّة واضحة وضوح الشمس. أسرار كثيرة حول ماضينا الحقيقي طمست وزوّرت وأُخفيت. أسرار تجعلنا نرى العالم من حولنا بطريقة جديدة، روح جديدة، وعقليَّة جديدة. هذه الحقائق المحجوبة عن الشعوب المضللة إعلامياً وتعليمياً وثقافياً، لو أنها خرجت للعلن، سوف نجد أجوبة لتساؤلات كثيرة أوقعت المفكرين الكبار في حيرة وعجز تام عن تفسيرها، وسوف نجد الحلول المناسبة لألغاز كثيرة حول ماضينا الحقيقي.
لا زالت المؤسسات الأكاديمية ترسّخ فكرة أنّ التجمعات الإنسانيّة البدائية يعود تاريخها إلى عشرة آلاف عام كحد أقصى، وليس أكثر من ذلك. أمّا الفترة التي سبقت هذا التّاريخ، فكان الإنسان حينها عبارة عن كائن بدائي، غبي، أبله، متنقّل من مكان لآخر ويعتاش على الصيد وقطف الثمار، ثم استقرّ بالقرب من مصادر المياه الدّائمة كالأنهار والبحيرات، فاكتشف الزّراعة، ثم أُقيمت المستوطنات الصّغيرة، ثم كبرت وأصبحت مدن، ثم حضارات، وهكذا.. أليس هذا ما نتعلّمه في المدرسة؟
وفجأة، في أحد الأيام، وجدنا آثاراً تعود إلى حوالي 5000 عام، تكشف عن كائناً بشرياً متطوّراً وناضجاً تماماً، بدأ فجأة يستخدم تكنولوجيا متقدِّمة وعلوم في غاية التطور والتعقيد! كيف استطاع إنسان بدائي جاهل أن يقفز بين عشية وضحاها من مرحلة دامت مئات الألوف من سنين التوحش والبدائيَّة إلى مرحلة متطورة يصنع فيها آلاف المعجزات العلميَّة، والعشرات من هذه الإنجازات هي أكثر تطوراً وتعقيداً من التكنولوجيا المعروفة في القرن الواحد والعشرين؟! هذه الحقائق الأثرية كشفت في مواقع مختلفة حول العالم. أي أن كامل الكرة الأرضيَّة كان يسودها في إحدى فترات التاريخ السحيق نموذج موحد من التكنولوجيا المتطورة. ليس من الضرورة أن تكون ذكياً لتشعر بأن هناك شيئاً ما يدعو للشكّ والريبة في ما ننهله من معلومات.
إن التاريخ الإنساني الحقيقي لا يتم مداولته في وسائل الإعلام الغربية ولا حتى في المؤسسات التعليميَّة رغم الكم الهائل من الاكتشافات الأثرية المثيرة التي يمكن الاعتماد عليها في بناء قصة كاملة متكاملة حول أصول الإنسان. أما الأسباب فلا زالت مجهولة حتى الآن. لماذا لازالت نظرية القرن التّاسع عشر حول التّطور والارتقاء تُدرّس لنا وللأجيال الناشئة في جميع الدوائر التّعليميّة الرسمية؟ لماذا لازالوا يرسّخون في عقولنا تلك القصّة التي تقول أنّنا ارتقينا من الحالة البدائية إلى حالتنا المدنية المتحضّرة بشكل بطيء وتدريجي؟
في الحقيقة، إن فكرة “التطوّر التدريجي المتسلسل” بقيت دوماً مجرّد نظريّة، وهي تُعرَض غالباً على أنّها حقيقة، على الرّغم من أنّه من المستحيل إيجاد دليل ماديّ حقيقي لها. لكن هذه النظرية تحوّلت إلى أيديولوجيا صارمة لها عدد كبير من الأتباع المتشددين والنافذين، فازدادت قوتها بشكل مخيف وضربت جذورها في أعماق الفكر الأكاديمي الرسمي. والدليل على استحالة قلع هذه الأيديولوجية بسهولة هو أنه بعد مرور 150 سنة على نشوئها وسيطرتها على العالم الأكاديمي المحترم، لم تستطع المئات من الاكتشافات الأثرية اللاحقة والمناقضة لها أن تزحزح عرشها أو تترك أثراً في عقول أتباعها المتعصبين. اكتشافات كثيرة مثل:
بطارية بغدا: وتحدثت عنها في موضوع اثار محيرة جداً
خطوط نازكا، وجميع يعرفها في البيرو و سمع عنها و شاهد صور لها
كهوف تاسيلي: لغز اثري وتاريخي كبير و رسومات لا احد يعرف مصدرها و يقدر عمرها 20 الف عام
اظهر السومرين علم كبير في الفلك و الطب و البناء. و في خصوص الفلك تم اكتشاف نحت سومري قديم يبين النظام الشمسي بدقة كبيرة كيف عرفوا هذا؟ مع العلم انه تم اكتشاف هذه الكواكب حديثاً
هذه الحقائق المذكورة تمثّل جزءاً صغيراً من حجم الدلائل التي تشير إلى حضارات متطورة سابقة للعصر الحجري المزعوم. ولسوف تتفاجئون حين تعلمون أنّه ليس فقط في بقعة واحدة من العالم، بل في كلّ أنحاء العالم، هناك إنجازات قديمة يصعب تصديقها، وحتى أنّ بعضاً منها يظهر تقنيات أكثر تطوّراً من تلك التي نمتلكها اليوم. بالإضافة إلى أن جميع أساطير الأمم القديمة تحكي نفس القصّة، حول الانحدار من العصر الذّهبيّ، وأنّ هناك كارثة كونية (الطوفان) مسحت ذلك العالم المتقدّم من الوجود. والأمر المذهل هو أن عمليات التّنقيب حول العالم أثبتت أقوال الأساطير وكذّبت إدعاءات الأكاديميين الداروينيين! لماذا لازال الوضع كما هو دون أن يتغيّر؟
في الحقيقة، إن المجتمع العلمي ليس بالبساطة والبراءة التي يبدو عليها، وسوف تتفاجأ لمدى الوحشية والشراسة التي يبديها خلال تعرّض أي من نظرياته المقدسة لخطر المسائلة أو التكذيب. وعندما ندعي بوجود مؤامرة من نوع ما تجري في هذا العالم الأكاديمي المحترم، قليلاً ما نجد أذاناً صاغية أو متعاطفين معنا، والسبب طبعاً هو أننا جميعاً نشأنا على عدم احترام نظريات المؤامرة، حيث قيل لنا أن المؤامرات ليست موجودة سوى في عالم الاستخبارات وعصابات المافيا والجماعات الإرهابية. لكن الأمر الجيّد الذي يدعم ادعائنا هو أن هذه المؤامرة مفضوحة وتجري جهاراً أمام الجميع. كل شيء مكشوف، إن كانت الأجندة العامة، أو المتآمرين، أو التكتيكات التي يتبعونها للقمع والتظليل..، كل ما عليك فعله هو صرف المزيد من الانتباه على الموضوع وسوف يسهل عليك اختراق حاجز البروباغاندا البراقة والمعلومات المظللة لتكتشف دوافعهم الحقيقية وغاياتهم المبيّتة.
إن مؤامرة قمع التاريخ البشري تجري على مستوى عالمي، ولا تقتصر على المجتمع العلمي فحسب بل تشمل جهات عديدة أخرى لها مصالحها الخاصة (سوف أذكرها لاحقاً). الجميع له مصلحة في تسويق “الأكذوبة الكبرى”.. وكلما كبرت وانتشرت، كلما كان الأمر أفضل. يعتمد الأكاديميون على “مصداقيتهم العلمية” المعهودة لدعم ادعاءاتهم. أي أنهم يُعتبرون، دون غيرهم، المؤتمنين الرسميين الوحيدين على المعرفة الأصيلة. وبالتالي لا يحقّ لأحد مسائلتهم أو مقارعة أحكامهم السلطوية. أما بخصوص تاريخ الحضارات البشرية، فقد أصدروا حكمهم النهائي، ويتجلى بما يلي:
1ـ ليس هناك أي غموض حول من بنى الهرم الأكبر أو الوسيلة التي اتُبعت لبنائه، وأبو الهول لا يُظهر أي علامات على التعرية المائية الناتجة من الأمطار.
2ـ لم يكن هناك أي كائنات بشرية في الأمريكيتين قبل 20.000 ق.م.
3ـ الحضارة الأولى لا يتجاوز تاريخها أكثر من 6000 ق.م.
4ـ ليس هناك أي غرائب أثرية مُوثّقة، ولا أي معطيات غامضة أو عصية عن التفسير.
5ـ ليس هناك حضارات ضائعة أو غامضة أو موغلة في القدم.
أما الدلائل التي تشير إلى عكس هذه الحقائق، فلتذهب إلى الجحيم!
ابو الهول يكشف كذب ادعائاتهم
في العام 1993، بثّت قناة NBC في الولايات المتحدة فيلم وثائقي بعنوان أسرار أبو الهول The Mysteries of the Sphinx، والذي قدّم دلائل جيولوجية واضحة تثبت حقيقة أن عمر أبو الهول يزيد عن ما يدعيه العلم المنهجي بمرتين (أي لا يقل عن 9000 سنة). وقد عُرفت هذه القضية بـ”مناظرة التعرية المائية”. وكشفت هذه المسألة عن السياسة التي يتبعها علماء الآثار المنهجيين لمواجهة أي مسائلة أو إعادة نظر في مسلماتهم العلمية.
كان باحث الآثار المستقلّ جون أنتوني ويست John Anthony West وهو ذاتي التعليم أوّل من استدعى انتباه الجيولوجي الدكتور “روبرت سكوتش Robert Schoch إلى حقيقة “التعرية المائية. سافرا إلى مصر وأجريا أبحاث مكثّفة على الموقع. بعد إخضاع أبو الهول للدراسة والفحص الجيولوجي الدقيق، أصبح الدكتور “سكوتش” متيقناً تماماً من هذه الحقيقة، وبناءً على هذا أعلنا عن اكتشافهما.
أما الدكتور “زاهي حواس”، المسؤول عن تلك الصروح في الجيزة، فلم يضيّع أي وقت في إطلاق وابل من القذائف الانتقادية على الخبيرين. أما العالِم المشهور مارك لهنر Mark Lehnerوالذي يُعتبر أكثر العلماء خبرة في أبو الهول، فاشترك في هذا الهجوم المضاد على الخبيرين المسكينين، حيث نعتهما بأنهما “جاهلين” و”عديمي الإحساس”. وهذه الاتهامات نقلت المسألة من المستوى المهني إلى المستوى الشخصي. الردود الشرسة على إعلان “ويست” و”سكوتش” لم تتناول الحقائق الأثرية المُكتشفة حديثاً، بل تناولت فقط الجانب الشخصي للمكتشفين، ويُعتبر هذا سلوك غير علمي ويخلو من المهنية المستقيمة.
وجب أن نلاحظ التكتيك النموذجي الذي يتبعونه بهدف الحطّ من قيمة ومصداقية كل شخص يتجرّأ على مسائلة النظريات العلمية السائدة. إن حرف الانتباه عن المسألة الأساسية والتركيز على الجانب الشخصي يُعتبر من الاستراتيجيات الأكثر فعالية. وغالباً ما يُستخدم هذا الأسلوب من قبل السياسيين الذين يشعرون بعدم الأمان المحدق بمواقعهم. لقد استحضر كل من حواس ولهنر موقعهما الأكاديمي المقدّس وفرضا سلطتهما بالقوة.
بعد فترة قصيرة من نشوب هذا الجدل، تم دعوة كل من “سكوتش” و”حواس” و”لهنر” إلى إقامة مناظرة فكرية في الجمعية الأمريكية للعلوم المتقدمة. لكن لم يُسمح لـ”وست” المشاركة في هذه المناظرة لأنه مجرّد من المؤهلات الأكاديمية المطلوبة. أي أن “وست” الذي كان ملماً جداً في علم الآثار المصرية لدرجة أن خبرته تفوق خبرة الكثير من الأكاديميين المتخصصين، مُنع من حضور المناظرة لأنه لا يحوز على شهادة أكاديمية!
هذا الأمر يشير إلى ادعاء واهي يُعتبر من الأسلحة الفتاكة في ترسانة المجتمع العلمي الرسمي: “… فقط العُلماء الحاصلين على شهادات أكاديمية يستطيعون ممارسة العلم…”. وهذا يجعل عقبتان كبيرتان تمنعان مشاركة الباحث المستقل أكاديمياً (غير حائز على شهادات جامعية) ممارسة عمله بشكل رسمي:
1- الأهلية العلمية،
2- تقييم العلماء لعمله.
العلماء المنهجيين لا يتناولن أي عمل علمي بجدية إلا إذا كان صاحب العمل “مؤهلاً علمياً” أي حائز على شهادات أكاديمية. أي لا يستطيع العملي العلمي أن يساهم رسمياً في إغناء المعرفة الإنسانية إلا إذا تجاوز المرحلة [2]، ولا يستطيع الوصول إلى هذه المرحلة قبل تجاوزه المرحلة [1].
جميعنا نسينا حقيقة مهمة جداً وهي أن العلــم Science يمكن اكتسابه وممارسته وتطبيقه من قبل الجميع. فالأمر لا يتطلّب شهادات جامعية من أجل دراسة وتسجيل الحقائق وتحليلها وانتقادها، خاصة إذا تعلق الأمر بالعلوم الاجتماعية (غير التقنية). في المجتمعات الحرّة والمنفتحة، وجب أن يمثّل العلم عملية ديمقراطية حقيقية.
في جميع الأحوال، تم إقصاء “وست” من ساحة الجدل تماماً. ولازالت عناصر الجدل في حالة أخذ وردّ منذ حينها دون التوصّل إلى نتيجة نهائية. هذا الخلاف مشابه للخلاف القديم حول الهوية الحقيقية لبناة أهرامات الجيزة وكيف.
هذا يعيدنا إلى مسألة “الأكذوبة الكبرى” والطريقة التي يتم تسويقها عبر أجيال عديدة، أمام الله وأمام الجميع دون خجل أو وجل. والجدل حول طريق بناء الأهرامات يُعد أحد الأمثلة المهمة. لو كان العلماء المنهجيين صادقين فعلاً وأرادوا وضع حد حاسم ونهائي لهذا الجدل القديم، يمكنهم بكل بساطة ترتيب تجربة عملية يجريها مهندسين حياديين، وترك الأمر لهم ليصادقوا أو يستبعدوا إدعاءات العلم المنهجي بأن الأهرامات قد بُنيت بواسطة أدوات بدائية ووسائل متوفرة في تلك الأيام شبه الهمجية (أي 2500 ق.م، وهو التاريخ الذي يدعونه). لماذا لم يفعلوا ذلك؟
الجواب بسيط وواضح جداً، إنه مستحيل! وهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن نظريتهم زائفة وليس لها علاقة بالواقع. هل يمكن لعالِم محترف ومثقف أن يصدّق أن 2.3 مليون طن من الحجارة، وبعض هذه الحجارة يزن 70 طن، تم نقلها ورفعها بواسطة وسائل بدائية؟ رغم أن هذا الأمر يبدو واضحاً بأنه مستحيل، إلا أنهم لا يترددون في الكذب على الناس، وتأليف الكتب الفاخرة واسعة الانتشار، والدفاع عن نظريتهم بشراسة ضد أي نظرية بديلة، وتعليمها في المدارس للأجيال الناشئة.
خلال الممارسة المستقيمة للعلم الحقيقي، من الضروري بالنسبة لكل عالِم أن يلتزم بإثبات فرضيته بشكل منطقي من أجل أن تُقبلها أكاديمياً وعلمياً. لكن في الحقيقة، لازال علماء الآثار المصرية الذين يدعون استخدام الوسائل البدائية لبناء أهرام الجيزة معفون من أي التزام بضرورة إثبات فرضيتهم الوهمية. وبدلاً من ذلك، كل ما فعلوه، ولازالوا، هو التهجّم على النظريات البديلة وقمعها، مستخدمين تكتيكات وأساليب غير نزيهة وليس لها علاقة بالعلم إطلاقاً
لماذا يجاهد هؤلاء العلماء في إخفاء الحقيقة وتجنّب أي اختبار تجريبي يثبت فرضيتهم؟ في الحقيقة، إن دوافعهم واضحة وجلية. إذا أُثبت بأن المصريين القدامى لم يبنوا الهرم الأكبر في العام 2500 ق.م مستخدمين وسائل بدائية، وأن تاريخ أبو الهول يعود لأكثر من 9000 ق.م، فسوف تتساقط أحجار الدومينو، الواحد تلو الآخر! سوف ينهار كل شيء! فالنظرة التقليدية لتطوّر الحضارات تستند أساساً على تأريخ الحضارات التي انبثقت من سومر حوالي 4000 ق.م. وهذه النظرة الرسمية لنشوء الحضارات الأولية لا تسمح بوجود حضارات متطورة تسبق ذلك التاريخ. هذا كل ما في الأمر. علم التاريخ وعلم الآثار سيتجردان من أي معنى دون وجود خط زمني ثابت تستند عليه كمرجع عام يلتزم به الجميع.
ومن ناحية أخرى، بما أن “تطوّر الحضارات” مربوط بشكل وثيق مع نظرية داروين العامة لتطور الأجناس، فهذا أيضاً يمثل مشكلة كبيرة. هل هذا يفسّر السبب الذي جعل الكثير من الحقائق والغرائب الأثرية تتعرّض للقمع والتجاهل والرفض؟ الجواب هو نعم. تذكّر أنه ليس فقط علم التاريخ والآثار مربوط بنظرية داروين ويستند عليها بشكل أساسي، بل كافة العلوم البيولوجية أيضاً!
مسألة حجارة إيكا
والآن سوف ننظر إلى قضية مختلفة تماماً. في العام 1966م، تلقى الدكتور خافيير كابريرا Javier Cabrera هدية من أحد المزارعين الفقراء من أبناء قريته “إيكا” في البيرو. كانت عبارة عن حجر محفور عليه سمكة، وهذه الرسمة طبعاً لم تكن تعني شيئاً للمزارع البسيط لكنها تعني الكثير بالنسبة للدكتور “كابريرا” المثقّف والمتعلّم. لقد علِم بأن هذه السمكة المرسومة تمثّل فصيلة منقرضة منذ زمن جيولوجي بعيد. وهذا ما أثار فضوله بشكل كبير. راح يشتري المزيد من الحجارة من المزارع، والذي قال بأنه جمعها قرب ضفة النهر بعد أحد الفيضانات.
راح الدكتور “كابريرا” يجمع المزيد والمزيد من هذه الحجارة، وراحت أخبار وجودها ومدى أهميتها تنتشر حتى وصلت أسماع مجتمع علم الآثار. بعد فترة وجيزة، كان الدكتور قد جمع الآلاف من هذه الحجارة الغريبة. وكانت الرسومات المحفورة عليها عجيبة جداً وساحرة جداً. يبدو أن أحداً ما قام في إحدى فترات التاريخ بتصوير رجال يقاتلون الديناصورات، وآخرون يستخدمون التلسكوبات، وهناك من يجري عمليات جراحية بأدوات ووسائل متطورة. كما أن بعض هذه الحجارة تحتوي على خرائط تصوّر قارات مفقودة.
أُرسل بعض من هذه الحجارة إلى ألمانيا حيث تم تحديد تاريخ خروش الحفر، وتبيّن أنها تعود لعصور غابرة. لكن جميعنا تعلمنا أنه لا يمكن للإنسان أن يعاصر الديناصورات. فالإنسان الحديث، كما يدعي العلم المنهجي، لم يبرز للوجود سوى من 100.000 عام.
اهتمت محطة BBC بهذا الاكتشاف وراحت تحضّر نفسها لإنتاج فيلم وثائقي يتناول ما أصبحت معروفة بحجارة إيكا Ica stones. لكن الإعلان عن هذا المشروع أطلق العنان لعاصفة من الجدال. وقام علماء الآثار المنهجيين بتوجيه انتقادات لاذعة لحكومة البيرو بسبب إهمالها وتراخيها وعدم إلتزامها في فرض القوانين المتعلقة بالآثار (لكن هذا لم يكن اهتمامهم الرئيسي). فراحت الضغوطات تنهال على رجال الحكومة في البيرو.
تم اعتقال المزارع المسكين الذي باع الحجارة للدكتور “كابريرا”، واعترف بأنه وجدها في أحد الكهوف، لكنه رفض الكشف عن الموقع للسلطات، أو هكذا ادعوا على الأقلّ.
تم تنظيم هذه العملية بطريقة محترفة بحيث تجعل كل سياسي فاسد فخوراً. هددت الحكومة بسجن المزارع، وبنفس الوقت، قدموا له عرضاً مغرياً للخلاص من هذه الورطة، وقبِل المزارع بالعرض فوراً ودون تفكير. فخرج للعلن برواية جديدة تقول بأنه هو الذي حفر الرسومات بنفسه. لكن كل من يتمتع بتفكير منطقي سليم يعلم جيداً بأن هذا المزارع الساذج لا يتمتع بالثقافة والحرفة الكافية لحفر 11.000 رسمة مختلفة. فبعض الحجارة كانت كبيرة الحجم وحُفر عليها رسومات دقيقة ومعقّدة جداً تبيّن حيوانات ومناظر مختلفة لا يمكن للمزارع أن يعرفها إلا إذا كان ملماً في علم الجيولوجيا والمستحاثات. بالإضافة إلى أنه، ومن أجل إنجاز هذا العمل الكبير (حفر 11.000 حجر)، يحتاج لأن يعمل ليلاً نهاراً على مدى عقود طويلة ومتواصلة. لكن في جميع الأحوال، صُنفت حجارة إيكا على أنها “خدعة” وتم نسيانها.
هذه المسألة لم تتطلّب أي مواجهة أو مناظرة فكرية أو أي مجهود ذات طابع أكاديمي. فقد تم معالجة المسألة عن طريق الضغوط الخفية التي مورست على الحكومة البيروفية. وبما أن هذا الاكتشاف صُنف على أنه “خدعة”، فبالتالي لا حاجة لبذل أي مجهود علمي لمحاولة تكذيبها، أو حتى الوقوف أمام هذه الحقيقة التاريخية وجهاً لوجه.
أصل الإنسان العتيق جداً
مثال على دور الرقابة في قمع التفكير المحظور
إن قضية الكاتب مايكل كريمو Michael Cremo موثقة ومعروفة جيداً، وتبيّن كيف يمكن للمؤسسة العلمية الرسمية أن تفرض ضغوطاً على أجهزة الإعلان وكذلك الحكومة. يتناول كتابه علم الآثار المحظور Forbidden Archeology أمثلة كثيرة على دلائل ولُقى أثرية تم تجاهلها، وتثبت أن أصل الإنسان يعود إلى تاريخ قديم جداً بحيث يتجاوز التاريخ الرسمي بأشواط كبيرة.
الأمثلة التي قدمها هذا الكاتب مع شريكه في التأليف هي مثيرة للجدل فعلاً، لكن الكتاب بشكل عام كان أكثر إثارة للجدل من محتوياته، خاصة بعد أن اعتُمد عليه في إنتاج فيلم وثائقي يتناول موضوع الأصول الغامضة للإنسان.
في العام 1996م، بثّت محطة NBC التلفزيونية فيلم وثائقي بعنوان الأصول الغامضة للإنسانThe Mysterious Origins of Man، تم من خلاله الكشف عن حقائق أثرية وتاريخية مذهلة كانت مخفية في السابق، بالإضافة إلى اكتشافات أثرية حديثة، وقد أبرزت عدة حقائق مذكورة في الكتاب الذي ألفه “كريمو”. وأجريت مقابلات مع علماء آثار محترفين، ووضعت حقائق كثيرة أمام المشاهدين وترك الأمر لهم كي يفسروا ويحللوا ويستنتجوا بالاعتماد على ما شاهدوه أمام أعينهم. لاقى هذا البرنامج نجاحاً كبيراً غير متوقعاً، وطلب الملايين من المشاهدين إعادة بث هذا البرنامج من جديد مما كشف عن إعجابهم و تأثرهم به. أما رد الفعل الذي خرج من المجتمع العلمي، فكان زلزالاً تجاوزت قوته أعلى درجات مقياس ريختر! لقد فُتحت على فريق العمل أبواب الجحيم! وغرق المحطّة التلفزيونية ببحر من الرسائل القادمة من العلماء الغاضبين الذين نعتوا المخرج بـ”المنافق” والبرنامج بـ”الخدعة الكرى”. وبنفس الوقت، تلقى منتجو هذا البرنامج ومخرجوه الكثير من الرسائل المهينة بالإضافة إلى التهديد والوعيد!
انهالت عليهم الشتائم والكلمات غير اللائقة من كلِّ مكان. والغريب في الأمر هو أن جميع التعليقات السلبية التي تلقوها لم تدحض بمصداقيَّة الحقائق الواردة في البرنامج، بل جميعها تركزت على أنه وجب عدم إطلاع الجماهير على هذه الحقائق المنافية للمعلومات الرسمية التي تتناول أصول الإنسان. الكثير من الكلمات القبيحة انهالت على فريق البرنامج. مصطلحات مثل: كريه، شنيع، سافر، زبالة، مقزز للنفس، حثالة، قذارات، عمل حيواني، عمل أحمق، كاذبون، دجالون، مجانين…، وغيرها من كلمات لا يمكن ذكرها.
قد تظنوا أن هذه الشتائم جاءت من أفواه مراهقين أو أشخاص غير مثقفين… لكن ستتفاجؤون عندما تعرفوا أنها جاءت من رجال أكاديميين بارزين من جامعات محترمة مثل جامعة ييل وجامعة كاليفورنيا وجامعة ستيتس نيويورك، وجامعة تكساس، وجامعات أخرى في ويسكونسن، نيومكسيكو، كولورادو… وغيرها…
أليس هكذا كانت ردة فعل كهنة العصور الوسطى تجاه الأفكار المنافية لتعاليمهم المقدَّسة؟. واثنان من هؤلاء الأكاديميين كانت ردة فعلهم هوجاء لدرجة أنهم تلفظوا بتصريحات كشفت عن نواياهم الحقيقية مثل:
شكراً للمجهود الكبير الذي تبذلونه… لكن الجمهور الأمريكي غير قادر على تقييم أو استيعاب هذه التفاهات التي تدعونها وكان المتصل الثاني أكثر صراحة حيث قال وجب حجبكم وتحريم برنامجكم عن الأثير…
لكن هؤلاء العلماء المحترمين لم يتوقفوا عند هذا الحدّ، بل تجاوزوه كثيراً. عبر سلسلة من الإجراءات المجرّد من أي رادع للضمير، حاولوا إجبار محطةNBC على التخلي عن إعادة بثّ البرنامج مرة ثانية، لكن ذهب مجهودهم هباءً. ومع ذلك لم يستسلموا، بل اتخذوا بعدها أكثر الخطوات جرأة وتهوراً على الإطلاق: تقدموا بقضيتهم إلى الحكومة الفدرالية وطلبوا من الوكالة الفدرالية للاتصالات بالتدخّل فوراً ومنع محطة NBC من بثّ البرنامج مرة أخرى. هذه العملية لم تكن انتهاكاً لحرية التعبير فحسب، بل كانت محاولة وقحة لقمع فكرة علمية مطروحة للتداول أمام العامة.
الرسالة التي تقدم بها الدكتور أليسون بالمر Allison Palmer، رئيس معهد دراسات العصر الكامبيري Cambrian Studies ، إلى الوكالة الفدرالية للاتصالات كانت فاضحة بكل المعايير، حيث تقول: على الأقل، وجب الطلب من محطة NBC أن تقدم اعتذارات متتالية لمشاهديها ولفترة مديدة، ذلك لكي يفهم المشاهدون الرسالة جيداً، والتي تكشف عن حقيقة أنهم تعرضوا للخداع. وبالإضافة، وجب على محطة NBC دفع غرامة مالية كبيرة كعقوبة على فعلتها، وربما نستبدل الغرامة المالية بإجبارها على إنتاج برنامج خاص لإعادة تثقيف الجمهور…
أعتقد بأننا أصبحنا نعلم أين يكمن أساس المشكلة في قضية قمع الحقيقة وتسويق الأكذوبة الكبرى. لازالت هذه المؤامرة جارية على نطاق واسع، ولا أحد يستطيع شمل العملية بكافة جوانبها، حيث مقابل كل محاولة مفضوحة لقمع الحقيقة هناك عشرات المحاولات الناجحة (غير المفضوحة) التي تتم دون أن يدري بها أحد. ليس لدينا أي فكرة عن عدد اللُقى الأثرية التي تم إدراجها في خانة “خطأ في تحديد التاريخ” ورميها في المخازن المظلمة مع حرص شديد على أن لا ترى النور ثانية.
مثال على رفض معطيات تاريخية
هناك القضية المعروفة جيداً للدكتورة فرجينيا ستين ماكنتاير Virginia Steen McIntyre، وكانت عالمة جيولوجيا تعمل في وكالة الاستكشاف الجيولوجي لحكومة الولايات المتحدة USGS تم إرسالها في السبعينات من القرن الماضي إلى إحدى المواقع الأثرية في المكسيك بهدف تحديد تاريخ مجموعة من الأدوات واللُقى الأثرية المُستخرجة هناك.
هذه القضية تكشف عن المدى الذي يمكن للعلماء المنهجيين وصوله من أجل المحافظة على المسلمات العلمية المقدسة. استخدمت الدكتورة “ماكنتاير” الأداوت والأجهزة التقليدية في حينها، وكانت من أحدث الأجهزة. ومن أجل التأكّد من صحّة نتائجها، استخدمت أربعة وسائل أخرى لتحديد التاريخ، لكن في كل الحالات، كانت النتائج مذهلة. لقد توقّعت الدكتورة بأن تتراوح النتيجة حول 25.000 عام، لكنها تجاوزت هذا التاريخ بأشواط عديدة، حيث أشارت إلى أن عمر الأدوات الأثرية يتجاوز 250.000 سنة.
إن تاريخ 25.000 عام مناسب لنظرية اجتياز مضيق بارينغ Bering Strait crossing، لكن التاريخ الجديد الذي كشفت عنه النتائج لا يناسب هذه النظرية إطلاقاً، وبالتالي طُلب من الدكتورة إعادة إجراء الفحوصات أكثر من مرة، لكن النتائج بقيت ذاتها.
مُنحت الدكتورة فرصة لسحب نتائجها التي قدمتها أو تعديلها على الأقل بحيث تجعلها تناسب المنطق العلمي العام، لكنها رفضت. وهذا الرفض جعلها تدفع الثمن غالياً، حيث مُنعت من نشر أوراقها العلمية، أو أي عمل آخر، كما أنها خسرت عملها في التدريس في إحدى الجامعات الأمريكية.
القمع الحكومي لأسباب عرقية وإثنية
قمع دلائل أثرية غير متوافقة مع المصلحة القومية في كل من الصين، نيوزيلندا، والمكسيك في نيوزيلندا، تقدمت الحكومة وشرّعت قانوناً يمنع العامة من دخول منطقة أثرية مثيرة للنزاع. هذه الحادثة وردت في كتاب نيوزيلندا السلتية القديمة، للكاتب مارك دوتري Mark Doutré.
فكما ذكرت في بداية هذا الموضوع، هذه المؤامرة العالمية لقمع الحقيقة لا تقتصر على العلماء المنهجيين الذين يحاولون حماية نظرياتهم الواهمة، بل الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، وهنا تصبح المسألة أكثر صعوبة.
أصبحت غابة وايبوا Waipoua مكاناً مثيراً للجدل والنزاع لأن الحفريات الأثرية أظهرت دلائل على وجود حضارة غير بواينيزية تسبق وجود حضارة الماوري، وهذه الحقيقة لم تُسعد قبيلة الماوري أبداً. وعلموا بنتائج الحفريات قبل أن تخرج للعلن فتقدموا للحكومة بشكوى. وحسب أقوال “دوتري”، صدر أمر حكومي لإيقاف العمل فوراً في ذلك الموقع، مع الاحتفاظ بسرّية نتائج الاكتشاف حتى مضي 75 سنة.
تسرّب خبر هذه العملية وانتشر بين العامة مما أدى إلى حصول بلبلة على نطاق واسع، لكن الحكومة نفت هذا الادعاء، مع أن الوثائق الحكومية تثبت وجود حظر على الموقع الأثري. كان “دوتري” طالباً متخصصاً في دراسة تاريخ نيوزيلندا، وكان مهتماً بالإجراءات العديدة المشبوهة التي اتخذتها الحكومة النيوزيلندية. فقال أن أدوات ولُقى أثرية كثيرة قد كُشفت في البلاد وتثبت وجود حضارة قديمة تسبق حضارة الماوري، وجميع هذه الآثار قد سُحبت من كافة المتاحف في البلاد مؤخراً، ويتساءل عن مصير تلك الآثار:
… أين هي العيّنات التي تحتوي على شعر إندو-أوروبي (متموّج وبني اللون) والتي تم انتشالها من موقع صخري بالقرب من “واتاكيري”، والتي كانت معروضة في متحف “أوكلاند” لسنوات عديدة؟… أين هو الهيكل العظمي العملاق الذي انتُشل من “ميتيماتي؟…
لسوء الحظ، فهذه ليست الحادثة الأولى ولا الأخيرة في سلسلة القمع والإخفاء الطويلة. لقد أصبح العامل الإثني والعرقي من بين الأسباب الرئيسية في عملية قمع الحقائق التاريخية المتعلقة بالإنسان. حتى أن الكاتب الشهير “غراهام هانكوك” تعرّض للتهجّم والاعتداء مرات عديدة من قبل مجموعات إثنية مختلفة بسبب التبليغ عن اكتشافات أثرية إشكالية وملتبسة.
المشكلة التي تزيد الأمر تعقيداً والتي تشكّل عقبة رئيسية لظهور الحقيقة بخصوص تاريخ الإنسان هي أن أهداف وغايات المجموعات العرقية والإثنية التي تدعي أصالة نشوءها في مكان معيّن، تتناغم مع غايات علماء الآثار الداروينيين الذين يريدون المحافظة على مصداقية نظريتهم، واجتماع هاتين القوتين يشكّل عقبة كبيرة يستحيل اختراقها بسهولة.
أما قضية المومياءات المُكتشفة في صحراء تاكلا ماكانTakla Makan في غرب الصين، فتُعتبر مثال آخر على هذا النوع من المسائل. في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، تم الكشف عن ثقافة قوقازية بشكل مفاجئ وغير متوقع في الصين. وقد ساهمت البيئة القاحلة في المحافظة على بقايا أناس ذوات عيون زرقاء وشعر أشقر سكنوا في الصين القديمة. وقد ارتدوا ألبسة ملونة، وكذلك الجزمات، والجرابات، والقبعات. لكن الصينيون لم يكونوا سعيدين بهذا الاكتشاف مما جعلهم يعتمون عليه بالكامل، رغم أن بقايا شعوب آسيوية كانت موجودة في موقع دفن المومياءات القوقازية.
دائماً ما شكّل وجود ثقافة الأولمك Olmec في المكسيك القديمة مشكلة كبيرة. السؤال هو: من أين جاءت الشخصيات الأفريقية التي ترمز لها الرؤوس الحجرية الكبيرة؟ لماذا حُفرت ملامح قوقازية في العواميد المنقوشة في قلب هذه الحضارة المكسيكية القديمة؟ والأمر الأسوأ هو: لماذا لم تظهر أي من ملامح السكان المكسيكيين المحليين في المنحوتات التابعة لثقافة الأولمك؟
لكن تم إيجاد حل نهائي لهذه المسألة التي طالما سببت الإحراج. وتم تبني استنتاج أحد علماء الآثار المكسيكيين والقائل بأن هذه الرؤوس الحجرية العملاقة (والتي تحمل ملامح أفريقية دون أدنى شكّ) تمثّل ملامح سكان قبيلة هندية محلية قريبة من المنطقة.
الاشاعات النووية
بعد تفجير القنابل النووية في هيروشيما في اليابان اصبح العلماء على معرفة كاملة بما تسببه هذه الاسلحة النووية المدمرة من اعراض على الانسان و الحيوان و الطبيعة اكتشف في طبقات الارض زجاج اخضر لا يتكون الا نتيجة الانفجارات النووية و وجوده قرب او في داخل حضارات قديمة ومواقع اثار كان له الصدمة الكبيرة للعلماء
والصدمة الاكبر انه هياكل عظمية بشرية كانت تحتوي على اشاعات نووية عمرها اكثر من 10 الاف عام.
صور لهياكل عظمية يقال انها تحتوي على مواد اشاعية في الهند
حقائق مهة
إن ظاهرة قمع الأفكار المعارضة للسلطة العلمية القائمة ليست ظاهرة جديدة بل تعود آلاف السنين إلى الوراء. كان أوّل إجراء يتخذه الغُزاة أو المستعمرين عند احتلالهم لبلاد جديدة هو تدمير الثقافة القائمة لاستبدالها بثقافة متوافقة مع السلطة المحتلة. فبعد كل احتلال أو غزوة موفّقة، كانت المكتبات أوّل ما يتم استهدافه بالإضافة إلى المجتمع العلمي القائم في البلاد والذي كان يُباد بالكامل. والسبب ليس مجرّد “سلب ونهب” كما يصوره لنا التاريخ، بل السبب الحقيقي هو القضاء على الثقافة القائمة لاستبدالها بثقافة المحتلّ، حيث أن هذه السياسة كانت سائدة وعرف القدماء جيداً أنها مجدية بشكل كبير. فالثقافة التي يفرضها المحتل بين الشعوب الخاضعة للاحتلال ستفرّخ أجيالاً من الموالين له بشكل أعمى، وهذا سيوفّر عليهم استنزاف جهود كبيرة في عمليات القمع والإرضاخ للمعارضات الواسعة التي لا بد من أن تنتفض بين فترة وأخرى لمقاومة السلطة المحتلة.
يقال أن الاسكندر هو الذي بنى مكتبة الاسكندرية، والتي اعتبرت في حينها منارة للعلوم والثقافة المتطورة. لكن ربما نجهل أن الاسكندر هو ذاته الذي دمّر مكتبة بيريسبوليس في بلاد فارس بالإضافة إلى الكثير من هذه المؤسسات الثقافية في الهند وأفغانستان وسوريا الكبرى. نستنتج من ذلك أن الاسكندر، من خلال بناؤه للمكتبة، كان في الحقيقة يبني مؤسسة ثقافية تكرّسا لثقافة اليونانية على حساب ثقافات محلية قديمة. والأمر الذي لا شكّ فيه هو أن تلك الثقافات القديمة التي طمسها الاسكندر كانت أكثر تطوراً ورخاءً. أعتقد أن البعد الزمني الطويل الذي ننظر من خلاله إلى التاريخ البعيد يعمل عمل الغشاوة القاتمة التي تمنعنا من معرفة الحقيقة. فمكتبة الإسكندرية التي أنشأها الاسكندر، لازلنا اليوم نظن بأنها مثّلت منارة آخر ما توصّلت إليه العلوم في تلك الفترة، ونشعر بالامتنان له بسبب هذا العمل النبيل. لكن لم يفطن أحد إلى حقيقة أن تلك المكتبة التي بناها الاسكندر كانت بالنسبة لمن عايش فترة حكمه تندرج ضمن عملية ممنهجة لتدمير الثقافة العلمية القائمة في ذلك الوقت ومحاولة تكريس ثقافة أخرى متدنية تقضي على الثقافة السائدة لصالح المحتلين. ويجب أن نتذكّر بأنه ليس من صالح أي مستعمر أو محتل أن ينشر ثقافة متنورة في البلاد الخاضعة تحت سيطرته. أعتقد أن ما فعله الاسكندر بالشعوب التي غزاها هو ذاته ما فعله الأسبان خلال فتحهم لأمريكا الجنوبية، وليس هناك من بقي على قيد الحياة من معارضيه لكي يقول الحقيقة. وكما هي الحال مع أمريكا الجنوبية التي أصبحت ثقافتها، الرسمية على الأقل، تمجّد كولومبوس واكتشافه لتلك القارة المسكينة بدلاً من لعنته ألف مرة (كما يفعل المفكرين المستقلين)، أعتقد أن الثقافة التي خلفهاالاسكندر في البلاد التي احتلها هي السبب الرئيسي وراء تمجيد هذا الرجل الطاغية وتأليهه، لأنه بكل بساطة لم يبقى هناك أي ثقافة معارِضة له حيث تم سحقها بالكامل.
1- تصوّر رسومات إنسان ما قبل التّاريخ في صحراء كلاهاري- جنوب غرب أفريقيا، رجالاً ذوي بشرة فاتحة في ملابس ضيّقة. ورجالاً لهم لحى شقراء وشعر مصفّف يرتدون أحذية وسراويل أنيقة، قمصان مزخرشة بالألوان، ومعاطف وقفّازات. بينما ترتدي المرأة كنزة صوفيّة قصيرة ذات أكمام، وسروالاً قصيراً، وجوارب لها أربطة وخفّ.
2- تم اكتشاف حجارة منقوشة من (العصر الحجري) في كهف في لوساك- فرنسا، تبيّن أناساً بمظهر حديث بوضعيّات طبيعيّة يرتدون أثواباً وأحزمة وأحذية ومعاطف وقبّعات. وامرأة شابة ترتدي بنطالاً وبذلة ومعطفاً قصيراً له أكمام، وزوجاً من الأحذية، وقبّعة مزخرفة تميل فوق أذنها اليمنى إلى الكتف. وفي حضنها شيء مربع ومسطّح له لسان مطويّ إلى الأمام، يشبه المحفظة الحديثة. ويرتدي الرّجال سروالاً مخاطاً ببراعة، وأحزمة عريضة لها مشابك، مع لحى وشوارب مشذّبة جيداً… هل تعلم شيئاً آخر، هذه الكهوف مغلقة بوجه الزوّار! فهي غير متاحة للزيارات العامّة… لكن هذا طبيعيّ… فالذي في داخل تلك الكهوف يدحض كلّ ما طلب منّا تصديقه والاعتقاد به!
دليل آخر على طبيعتهم المتحضّرة
1- كان التّعاون الاجتماعي متقدّماً جدّاً. نرى ذلك في
أ- تجمعاتهم السّكنية.
ب- التّخصيص في كلّ من العمل ومكان العمل.
ج- المشاركة في بناء وتصميم الخطط أو المشاريع على مساحات واسعة.
2- وشيء آخر، كانوا معتادين على السّفر البحريّ. في مونتغودييه- فرنسا، ونيرجا- إسبانيا، تشمل اكتشافات إنسان الكهف:
أ- نقش لحوت العنبر وهو ينفث الماء وزوج من الفقمة، على ما يبدو أنّ إحداها ذكر والآخر أنثى.
ب- رسومات محفورة لثلاثة دلافين (أنثى وذكرين) تقابل بعضها وجهاً لوجه. كان على راسميها الذين يقطنون
في كهوف تبعد مئات الأميال عن شاطئ البحر، أن يسافروا لمسافات طويلة في البحر ليشاهدوا ويسجّلوا قصّتهم.
3- دليل آخر على السّفر داخل المحيط، هو معدّات وجدت إلى جانب بقايا الهياكل العظميّة لنفس إنسان العصر الحجريّ على جانبي الأطلسيّ.
4- ثمّ هناك التّطابق الملفت للنّظر في رموز الكتابة بين الهنود الأمريكيين (البدائيين) وبين ثقافات الكهوف في أوروبا.
5- لا بدّ أن تكون شعوب العصر الحجري، والحضارات القديمة قد ورثت نظام التّقويم القمريّ من حضارة أقدم منهما. آلاف الملاحظات المدونة- مثل العلامات العمودية، الخطوط والنّقاط، الرّسم والنّقش على الحجر أو العظم- متناثرة من إسبانيا إلى أوكرانيا. تعرف هذه الرّموز اليوم بأنّها تسجيل لمراقبة القمر لأغراض التّقويم- إنها عبارة عن دراسات معقّدة للحالات القمريّة المختلفة.
قد يتساءل أحدكم: أليس من المسلّم به إجمالاً أنّ إنسان ما قبل التاريخ كان لديه الحجر فقط ليعمل به؟ إذا كان قد جاء من جذور متحضّرة، فلماذا يعمل فقط بالحجر؟
الجواب: وجب أن تعلم يا سيدي أن هذا السؤال هو ساذج جداً… “لم يكن العصر الحجريّ القديم والعصر الحجريّ الحديث موجوداً إلاّ في مخيّلة المؤرخين الأكاديميين”، وبرّر ذلك بقوله: إنّه من غير المجدي أن نكوّن صورة شاملة عن تلك الفترة الزّمنية بالاعتماد على نسبة قليلة من السكان. فنحن لا يمكننا القول بأنّ القرن التّاسع عشر هو جزء من العصر الحجريّ، لأنّ بعض النّاس في نيو غينيا، وبورنيو ما زالوا يستخدمون أدوات صوّانيّة. ولا نستطيع أيضاً تسمية هذا العصر بعصر العلكة أو عصر الكافيار لأنّ قلّة من النّاس يتناولون الكافيار أو يتشدقون بالعلكة.
نعود إلى السؤال :هل كان هناك عصر حجريّ؟..
الجواب: هو لا
هل كان هناك مجتمعات حجرية؟…
الجواب هو نعم، إذا أردنا تصنيف البشر حسب معايير العلم المنهجي بخصوص الإنسان الحجري، فتعرّفوا إذاً على إنسان حجري في القرن الواحد والعشرين!!
تعرّفوا على إنسان حديث وصورة اخرى لإنسان حجري في القرن العشرين!!
آثار حضارات غامضة ابتلعتها الغابات
سكان المدن أصبحوا متوحّشين. وقف الرحّالة وأنفاسهم مقطوعة. لقد وقفوا أمامها وجهاً لوجه تحت شمس الظهيرة. هناك في قاع الوهد، كان مكاناً ساحراً. الكثير من الأبراج والأبنية، تطلّ أجزائها من بين نباتات الغابة الكثيفة. جميعها كانت من الحجر الأبيض الناصع. لقد أسرتهم روعة المكان. بعد صمت طويل، تكلّم أحدهم.”… لا بد من أنه سحر.. هل هذه رواية خرافية؟.. هل أنا أحلم؟..”. كانوا ينظرون إلى أشياء لم يسمعوا أو حتى يحلموا بها من قبل.
بين عامي 1926 و1927، سافرت بعثة استكشافية بقيادة دكتور من “هامبورغ”، بواسطة قوارب هندية، نحو أعالي إحدى روافد نهر “ريو نيغرو”، متوجهون إلى المناطق الحدودية، المجهولة تماماً، بين شمال غرب البرازيل وجنوبي فنزويلا. وقد دخلوا إلى عدة مناطق تعود لقبائل مختلفة من الهنود المتوحشون. خلال رحلة عودتهم، نزولاً عبر الرافد، تاركين ذلك “الجحيم الأخضر” ورائهم، وكذلك قرع الطبول المستمرّة والتي تصدح في أعماق الغابة، كان اللقاء وجهاً لوجه مع ذلك الموقع الرائع.
كان ذلك بعد أسابيع من بدئ رحلتهم، عندما وصلوا إلى وادي، ومنه ساروا في طريق قديم داخل نفق محفور في منحدرات الوادي. وعلى الجهة الأخرى من النفق، أكمل الطريق المرصوف مسيرته فوق وادي مذهل، بعد فترة من السير نظروا إلى الأسفل نحو وهد كبير، وما شاهدوه خطف أنفاسهم. مدينة مهجورة مليئة بالقصور و الأبراج، آثار رائعة، معابد، عواميد منحوتة، أهرامات، وقد ابتلعت الغابة معظم المكان. كان هناك حدائق فاتنة ووسطها بحرات نوافوراتها مكسّرة، لا بد من أنه تدفق منها يوماً المياه الباردة.
بعد المسير قليلاً في الطريق المطلّ على هذه المدينة، نصبوا كميناً وقبضوا على رجل صغير الحجم، قزم، طوله 4 أقدام. كان عارياً تقريباً، ما عدا حزام حول خاصرته وبكلته مصنوعة من الذهب الخالص. وبعد قليل التقوا مع عدد إضافي من هؤلاء الرجال الأقزام. جميعهم بشرتهم بيضاء! كانت نسائهم عاريات مثلهم، شعرهنّ طويل وملامحهن جميلة. ارتدين أساور ذهبية وعقود ذهبية أيضاً.
اكتشفت البعثة معبد عملاق هرمي الشكل، كان داخله يلمع بالذهب. العواميد، السقف والجدران كانت جميعها مغمورة بالذهب. حُفرت كتابات غريبة على اللوحات الذهبية. العديد من الأدوات والأوعية وحتى الجنازير كانت من الذهب الخالص، محفورة ومنحوتة بدقة وإتقان كما لو صنعها أعظم الصائغون.
على المذابح الرخامية العميقة، المعرّقة بالأزرق القاتم، هناك آثار دماء قديمة، أو قد يكون مجرّد صدأ. ربما كان يُقام هنا أُضحيات شعائرية فضيعة. معظم أجزاء المدينة الميتة كانت غير ممكنة الاختراق أو الدخول. فقد بقي الدخلاء (أفراد البعثة) يتجولون على الأطراف حيث دخلوا الأبنية هناك فقط. لقد تقهقر شعب هذه الحضارة العظيمة (ذات البشرة البيضاء) ليصبح مجموعات متفرقة من الكائنات المتوحّشة تعيش على أطراف المدينة، أو في أنفاق، أو فجوات في الصخور، أو بيوت حجرية صغيرة. كل من هؤلاء الأقزام حمل سكين معكوف مصنوع من الذهب الخالص، حيث الذهب ليس له ثمن هنا.
خلال رحلة عودتهم، كانت الأحمال الثقيلة من الذهب والكنوز سبباً رئيسياً في مقتل معظمهم، حيث لاحقتهم قبائل من الهنود العدائيون واصطادوهم فرداً فرداً، إلى أن نجا ربعهم فقط، محملاً بالقليل القليل من غنائم هذه الرحلة الخيالية.
مدن جبارة ابتلعتها الأدغال
مدن مبنية بحجارة عملاقة، قديمة جداً، مع شوارعها المرصوفة وأهرامات شاهقة تكسوها الغابات، شوهدت في الأمازون من قبل العديد من المستكشفين في القرون القليلة الماضية. وبنفس الوقت، الكثير من المستكشفين الآخرين المتحمسين لمشاهدة ما تم وصفه وروايته، بالإضافة إلى بعثة عسكرية كاملة، قد اختفوا تماماً في الغابات من دون أن يتركوا أثر.
أحد الأهرامات يطلّ برأسه من وسط الأحراش الكثيفة
هذه المدن قد بنيت عندما كان حوض الأمازون أكثر اعتدالاً والأنهار قد رُشحت مخلفة ورائها أراضي خصبة قبل أن تنمو الغابات وتستولي على زمام الأمور. لسوء الحظ، بما أن مناطق الأمازون كانت مغمورة بالكامل بمياه المحيط الأطلسي حوالي 1200 قبل الميلاد، هذا يعني أننا لا نستطيع اكتشاف مواقع أثرية على ضفاف الأنهار. من المرجّح أن هذه المواقع الأثرية تكون موجودة بعيداً في أعماق “الجحيم الأخضر” الأحراش الكثيفة الداخلية.
ونعلم انه تم بنائها قبل نمو هذه الادغال
لقد أصبح لدينا فكرة ما عن إنجازات المبكرة للإنسان في كل من آسيا، أفريقيا، وأوروبا. لكن هناك القليل مما نعرفه عن الأمريكيتان. رغم أن الحديث عن هذه البلاد الرائعة يتطلب المئات من الكتب والمجلدات. لقد تم اكتشاف الآلاف من الحجارة المنقوش عليها في أعماق الأدغال، بعضها يحدد اتجاهات المناجم القديمة التي أصبحت الآن قابعة في قلب أحراش كثيفة يصعب اختراقها.
اكتشافات عديدة موثّقة
ـ تصف وثيقة مذهلة، محفوظة في أرشيف مكتبة ملكية قديمة في ريو دي جانيروRio de Janeiro، مدينة قديمة مهجورة تم اكتشافها بالصدفة عام 1753 من قبل مجموعة من اللصوص مؤلفة من 300 فرد يقودها قاطع طريق برتغالي. هؤلاء القراصنة البرّيين وصلوا إلى أماكن داخلية، قبل 400 سنة، لا يستطيع الرجل العصري المتطوّر وصولها حتى اليوم. وإذا تمكّن من اختراق هذه الأحراش فإنه لن يخرج حياً ليروي لنا قصّته.
كان المخطوط مشوهاً جداُ نتيجة تعرضه للحشرات. وقد تحدث عن رحلة البحث عن مناجم موريبيكوMoribecu المشهورة. وبعد عشر سنوات من التجوّل في الأدغال، وصلت المجموعة إلى ممر جبلي، و نظروا من خلاله ليشاهدوا بعيداً في الأفق مدينة عظيمة تقبع وسط أرض منبسطة. بعد الاقتراب منها بحذر شديد، وجدوا أنها مهجورة. دخلوا من تحت قناطر عملاقة إلى شوارع مرصوفة ومحاطة بتماثيل وأبنية ذات أحجام هائلة. كان هناك كتابات غامضة، لكنهم نسخوا بعضاً منها على ورق. قسم كبير من المدينة كان مدمراً بالكامل، مقطّعة بشقوق عميقة جداً. يبدو واضحاً بأنه ضُربت بزلزال. بعد أن كانت يوماً مدينة رئيسية تتباهى بالغنى والفخامة، أصبحت الآن موطناً للجرذان والوطاويط والثعالب والطيور المختلفة، وبالإضافة إلى مجموعات من الدجاج والبط المتوحّش (التي تمثّل سلالة الدواجن التي كانت تربى قديماً في بيوت سكان المدينة). هذه المدينة الميتة لازالت غير مكتشفة حتى الآن في مرتفعات مقاطعة “باهيا” البرازيلية.
ـ في 23 آذار 1773م، سجّل أرشيف حاكم ساو باولو Sao Pauloحادثة اكتشاف مفاجئة لمدينة ميتة تقبع في الغابات الكثيفة في ريو بكويري Rio Pequery فروي بيدرو سييزا دي ليون Froy Pedro Cieza de Leon، وهو راهب (عسكري سابق)، مات عام 1560م، كان أحد الأوائل الذين اكتشفوا هذه المدينة القديمة بأبنيتها الحجرية هائلة الحجم في أحراش البرازيل. يسميها الهنود المحليون بـ”غواماناغا”Guamanaga. كانت واقعة في جبال “كورديليرا Cordillera”.
ـ في العام 1913م، القنصل البريطاني العام في “ريو”، العقيد “و. سوليفان”، اخترق الأحراش الكثيفة ونجح في الوصول إلى المدينة التي اكتشفتها مجموعة اللصوص التي أسلفت ذكرها، وعاد ليروي ما رآه، مصادقاً على كل ما ادعته تلك المجموعة.
ـ بعدها بعقد من الزمن، دخل هذا العالم الضائع المستكشف والعالم المشهور الكولونيل “ب.أ.فاوسيت” P.A. Fawcett، خلال قيامه بمسح شامل لمنطقة واسعة من الغابات على حساب المجتمع الملكي الجغرافي في لندن. خرج من هناك يدّعي بأنه شاهد مدينة كبيرة في أعالي الأمازون، بالقرب من الحدود البرازيلية البوليفية. وبعد عودته إليها عن طريق حملة استكشافية أخرى اختفى هناك ولم يسمع عنه أحد حتى الآن.
ـ لازالت أهرامات غريبة المظهر بقمم مدوّرة تُشاهد بالصدفة حتى اليوم في أعماق الغابات. تتحدّث الموروثات الشعبية عن أضواء خاصة كانت تُستخدم مشابهة تماماً لتلك التي نستخدمها اليوم “اللمبة”.
هناك الآلاف من المدن غير المُكتشفة في أمريكا الجنوبية، من المكسيك حتى تشيلي. الآلاف من المدن والبلدات المدمّرة والمدفونة تحت غابات كثيفة أو رمال الصحاري، والتي لم يتم اكتشافها بعد.
أمريكا الشمالية
جاء المستوطنون إلى أمريكا الشمالية خلال موجة الهجرة الأولى بعد الطوفان مباشرة. الأمر المفاجئ هو أن الولايات المتحدة كانت يوماً تعجّ بالمدن المزدحمة. كانت منتشرة من فلوريدا، على طول نهر الميسيسيبي حتى أريزونا ونيو مكسيكو. لازال هناك آثار قائمة، إذا عرف الفرد أين يبحث.
قال هنود فلوريدا بأنه كانت حضارة من العرق الأبيض موجودة في البلاد عندما وصل أسلافهم. (ومثال على قبائل هندية ذو البشرة البيضاء في أمريكا الشمالية، نجد “الزوني” في نيومكسيكو، و”المينومينيز” وهناك بناة الأكوام Mound Builders، الذين سكنوا في مدن وكانوا زراعيون. لقد تمتعوا بنظام حكومي متنوّر. ليس هناك أصنام مكتشفة هناك. جميع آثار هندستهم الراقية (خشبية على الأغلب) قد اختفت.
حسب التاريخ المكسيكي والأمريكي الشمالي، بعض المدن الأمريكية الشمالية قد مُسحت تماماً نتيجة حروب جوّية. تظهر آثار مدينة مدفونة تحت مساحة 4 أميال مربعة من بلدة “روكويل”، تكساس. جدران حجرية كبيرة، في أماكنها حيث تعلوا 49 قدم، وتم بناءها بطريقة محترفة كما يفعل البناءون العصريون. هذه الجدران مرتبة بمظهرها. في العشرينات من القرن الماضي، لاحظ عالم الآثار الشهير، الكونت “بايرون كون دي بوروك”، بأن هذه الجدران هي متشابهة تماماً مع تلك الموجودة في المدن المدفونة التي حفرها في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية. الأحجار التي كانت منحنية الحواف، تم وصلها بواسطة مادة طينية (إسمنتية). أربعة أحجار كبيرة مستخرجة من الأسفل تحمل نوع من الكتابة عليها.
أمضى “ل. تايلور هانسون” وقت طويل مع قبائل الهنود الحمر. كشف له زعيم قبائل الـ”أوشيباوا”، القاطنين في ميشيغان، واسمه “دارك ثوندر” (الرعد المظلم)، قائلاً: “… في إحدى الفترات كان لدينا كتب، لكن هذا كان في الماضي البعيد. فالكتب هي أشياء يمكن أن تتلاشى عبر الزمن. منذ ذلك الوقت وضعنا تاريخنا وحكاياتنا في أناشيد شعبنا…”
بعض قبائل الهنود الحمر ينشدون حكاياتهم الحاصلة في زمن بعيد جداً حيث عاشوا في المدن، ودائماً بالقرب من أنهار جبّارة، التي كانت تمثّل الطرق الرئيسية للتجارة. عندما حان وقت الحرب، هجر الناس مدنهم والتجئوا إلى الغابة.
لكن في جميع الأحوال، السبب الرئيسي للدمار هو التغيرات العالمية الحاصلة كنتيجة مباشرة للطوفان، حيث المناخ بدأ يجفّ تدريجياً.
السؤال المهم: لو كان الإنسان قد تطوّر من مخلوق بدائي متوحّش، لماذاً إذاً يوجد بين جميع شعوب العالم موروثات شعبية تتحدّث عن عصر ذهبي عاش فيه أسلافنا المتطوّرين بدلاً من الحديث عن ماضي متخلّف؟.
حان الوقت للحقيقة أن تخرج للعلن. أصبح لدينا أدلّة على شعوب واعين تماماً لماضيهم المتحضّر، وقد أرغموا على استخدام كل ما لديهم من مهارات تقنية للصمود في بيئة متوحّشة وعدائية جداً. شعوب كانوا قادرين في الماضي على التواصل مع باقي العالم المتحضّر، لكن تم عزلهم عن العالم وأُجبروا على استخدام كل ما لديهم من أدوات للبقاء.
خلال حديثه عن القبائل البدائية التي عاش أسلافها السابقون في مدن مزدهرة، كتب الكولونيل “فاوست: “… لدي سبب جيد لأصدّق بأن هذه الشعوب هي منحدرة من أسلاف متطورين… لقد عرفوا الكتابة…”
بأختصار بوجهة نظري ان سبب دمار تاريخنا و خاصة العرب يعود لحرق مكتبة الاسكندرية مرتين ومكتبة بغداد وكتب كانت في الاندلس و قبلها مخطوطات مصرية قديمة تعود لحضارة مصر قام بشرائها احد الباباوات الاوروبين وجمعها في مكان واحد وحرقها بدون الإطلاع عليها حتى. وعندما سألوه لماذا فعلت هذا قال لهم (انها تحتوي على معلومات يجب ان لا يعرفها الانسان)
أصبح هناك عدد هائل من الدلائل الثابتة بأن أمريكا الجنوبية كانت معروفة جيداً في العالم القديم. كانت تعجّ بالمدن العظيمة. إمبراطوريات جبّارة تمتدّ على طول القارة. التواصل على المستوى العالمي كان قائماً في الماضي بنفس مستوى التواصل الذي نشهده اليوم. لقد أصبح من الواضح تماماً أنه من الضروري إعادة كتابة التاريخ من جديد.
يمكننا تكوين فكرة بسيطة عن مدى التدمير الذي كان يجري في الماضي للثقافات، من خلال الاقتباس المُختصر المأخوذ من كتاب “بصمات الآلهة”Fingerprints of the Gods للكاتب “غراهام هانكوك”Graham Hancock خلال تصويره لما كان يجري للثقافات المحلية في أمريكا اللاتينية بعد الفتح الأسباني للبلاد. يقول “هانكوك” في الفصل 13 من كتابه واصفاً موقع شولولا التاريخي في المكسيك:
“.. الماضي، رغم أنه غالباً ما يكون جافاً ومغبراً، نادراً ما يكون أبكماً. فأحياناً يمكنه الكلام بعاطفة وشغف. يبدو لي بأنه يفعل ذلك هنا في هذا الموقع، حيث شهد على عملية التذليل النفسي والجسدي الذي عانته الشعوب المحلية في المكسيك عندما قام الفاتح الأسباني هيرناندو كورتيز بقلع ثقافة كاملة من جذورها كما يقطف عابر سبيل زهرة عباد الشمس…
… في شولولا، التي كانت مركزاً للحجّ وعدد سكانها يفوق 100.000 نسمة في فترة الغزو، لا بدّ من الأمر تطلّب الكثير من القمع والإذلال من أجل النجاح في مسح الثقافة المزدهرة التي شهدتها في تلك الفترة. فما كان أفضل من إذلال معبد كويتزالكوتل Quetzalcoatlأجمل جبل صناعي شيّده الإنسان، حيث تم تحطيم وانتهاك قدسية المعبد الذي وقف يوماً على قمة هرم مدرّج عملاق، واستبداله بكنيسة…
… كان كورتيز وأتباعه قليلو العدد بالمقارنة مع الشولوليين. عندما دخل مع فرقته العسكرية إلى المدينة، لم يدركوا مدى الحظ الذي كان يحالفهم. لقد ظنّ السكان المحليون بأن النبوءة قد تحققت! فالأسبان، ذوات البشرة البيضاء، والذين كانوا يرتدون دروع معدنية براقة، مثّلوا بالنسبة للمحليين عودة النبي كويتزالكوتل وأتباعه من عبر البحار الشرقية…
… بسبب هذا التوقّع المُنتظر، ما كان على الشولوليين الساذجين والواثقين سوى السماح للأسبان بأن يصعدوا المدرج المؤدّي إلى الفناء الشاسع التابع للمعبد القابع في قمة الهرم العظيم. وراحت مجموعات من الفتيات المزيّنة تستقبلهم بالرقص والغناء والعزف على آلات موسيقية متنوعة، بينما راح الخدم يتقدمون نحوهم ويقدمون لهم أطباق مُعرّمة من الخبز واللحم المطبوخ بطريقة تليق بالملوك…
اسباب تجاهل هذه النظرية في زمننا هذا
هناك اسباب كثيرة تجعل الكثير يصرفون النظر عن حقيقة تطور القدماء و الحضارات السابقة ويمكن تقسيمها الى اربع اسباب اساسية
1 ـ معظم الآثار المادية قد أزيلت وتلاشت وطمرت، تقبع العديد من المدن القديمة اليوم تحت مستوى الأرض ومعظمها مغطى برمال الصحراء وابتلعتها أحراش كثيفة بينما لا تزال بعضها سالمة على عمق ميل تحت جليد القطب الجنوبي. ومن جهة أخرى فالآثار المكشوفة يمكن لها أن تختفي بسرعة كبيرة. خذ على سبيل المثال آثار تياهواناكو في بوليفيا التي عمرها 4000 عام، فحتى القرن السادس عشر كان معروف أنه لا تزال هناك جدران ضخمة ذات مسامير هائلة من الفضة في المبنى الحجري بالإضافة إلى تماثيل الرجال والنساء المتخذة آلاف الوضعيات. وحتى في القرن الماضي كان المسافرين يذكرون هذه التماثيل في مذكراتهم ويعبرون عن إعجابهم بالأعمدة الجليلة وحتى أنهم رسموها وصنعوا مخططا للواقع بأكمله. أما اليوم فليس ثمة أي أثر لما ذكره الرحالة في القرن الماضي! فقد سلبها الأسبان، والحكومة البوليفية مؤخراً، واستخدموها كمواد أولية للبناء. وقد أتلفت العديد من النسخ طبق الأصل للأجهزة والآلات القديمة على يد الفاتحون الأسبان في القرون الماضية… حيث قاموا بصهر كل القطع والمصنوعات الذهبية التي وجدوها في وسط وجنوب أمريكا. أما حجم الدمار الذي سببه الفتح الأسباني على مر العصور، فلا يمكن إحصاء ضخامته!…
2 ـ حتى إن صمدت بعض الآثار والبقايا، لكن الكثير منها لا زال يمثل لغزاً لا تزال الكتابات في جزيرة إيستر Easter Island واللوائح في موهنجوـ دارو في الباكستان ومخطوطات المايا، غامضة وغير مفهومة. ستبقى الكثير من الاكتشافات غير مجهولة المغزى… ربما إلى الأبد. وليس هنالك أية نقوش ومخطوطات تنتظرنا في تيهواناكو وماشوبيشو، فجميعها أزيلت ودمّرت. وهناك العديد من آثار المتاحف وأقبيتها لا يمكن فهم واستيعاب دلالاتها. لكن إعادة النظر والمراجعة المنظمة للقطع الأثرية المصنفة كقطع فنية، وأدوات عبادة، وقطع مجهولة الهوية، ستنتج عن ذلك استخلاص الكثير من المعلومات القيّمة، وكذلك الحال مع إعادة البحث المنتظم في أقبية المتاحف.
من المعروف جيداً أن من عادة المتاحف طمس وإخفاء المواضيع التي لا تتوافق مع النظريات السائدة في العالم الأكاديمي الرسمي، والتي لا تبدو جميلة عند الناظر اليها. أما أقبية معهد سمثوسونيان ومتحف “سنت جيرمان لاي” لأثار ما قبل التاريخ Germain-en-Laye، مليئة بصناديق تحتوي على قطع وعناصر غامضة لا يدرسها أحد. هل يعقل أن الكثير من القطع التي اكتشفناها لها غايات لم نفهمها ونستوعبها بعد؟ ربما وصل القدماء إلى ما توصلنا إليه لكن قد يكون تقدم من نوع آخر… ونتائج مشابهة لنتائجنا لكن بعمليات ووسائل مختلفة تماماً (التكنولوجيا الألمانية مثلاً، برزت وتشعبت على نحو هائل قياسا بدول أخرى وذلك خلال 12 سنة فقط! أي من عام 1933 حتى عام 1945، حيث كانت ألمانيا معزولة بشكل كبير عن باقي العالم). وبطريقة أخرى نقول، ربما لا نستطيع فهم واستيعاب المغزى الحقيقي من القطع الأثرية المكتشفة لأنها بكل بساطة أكثر تقدماً من تقنيتنا الحالية. هل هذا ممكن؟
هناك حقيقة معروفة تقول انه كلما تقدمت التكنولوجيا وتطوّرت فإن وسائلها ومعدّاتها لا تصبح أكثر تعقيدا بل تصبح مبسطة (خذ على سبيل المثال الدارات الإلكترونية المطبوعة وأشكال وأحجام رقاقات السيليكون) إن معدات كهذه لا يمكن أن تدرك من قبل حضارة ذات معرفة متواضعة. ففي الحقيقة، إننا قد ننظر إلى الأشياء، ويمكن أن تثيرنا، لكن دون أن ندرك حقيقتها والمغزى من صناعتها. ومن كان يتوقع أن قطع أثرية موجودة في متحف بغداد والمصنفة لفترة طويلة تحت اسم “مواد شعائر دينية”هي في الحقيقة عبارة عن بطاريات لتوليد الطاقة الكهربائية؟!
3 ـ آثار أخرى لا تزال تنتظر الاكتشاف هنا تكمن فكرة معذبة ومخيّبة للآمال! فبعض المستندات المهمة والموثقة مقفل عليها بأمان وربما لن نراها أبداً! إن هذه الكنوز المعرفية المحرّمة مخفية في أربع أماكن مختلفة هي:
ـ مدافن تحت البوتالا في لاسا في التيبت
ـ أقبية في مكتبة الفاتيكان والتي ممنوع الوصول إليها حتى على البابا نفسه
ـ المغرب، والتي عارض الزعماء الروحيون بشراسة فكرة جعلها عامة
ـ مكان سري معروف لبعض المعلمين الروحيين الأوائل ( يعتقد أنه موجود في اسبانيا)
لكن هذا ليس كل شيء، لا بد أن هنالك العديد من المدن الغير مكتشفة بعد. قد تظن بأن هذا شيء مبالغ فيه أليس كذلك؟ قد تصدق بوجود موقع وموقعين أثريين لم يتم اكتشافهما بعد، لكن العديد من المدن المفقودة؟ ليس هنالك أية مناطق مجهولة في هذا العصر!.. صدقني يا سيدي، أن العكس هو صحيح. فثمة العديد من المناطق الغير مكتشفة والمتروكة والمهملة، وهنالك العديد من الأشياء التي تحصل في مناطق متعددة من العالم ولا يسمع بها أحد.
فهناك مناطق غير مكتشفة حتى الآن في جنوب ووسط أمريكا، نيوغينيا، وآسيا وأستراليا وغيرها. رغم أن الأوربيون قد عاشوا وعملوا في الهند لعدة قرون، بنوا خلالها الجسور ومدوا السكك الحديدية وبنوا مدنا جديدة متحضرة، إلا أن الغابات نادرا ما اكتشفت. وهنالك العديد من القرى البعيدة والتي لم ترى رجلا أبيضاً قط. وفي صحراء أستراليا الوسطى التي تبدو عذراء تماماً، اكتشفت آثارا لحضارة غير معروفة، وكان ذلك بالصدفة حيث كانوا يقيمون اختباراً ذرياً في المنطقة.
لا زال هناك الكثير مما ينتظرنا في الصحراء والغابة والمحيط. إن أكبر غابة غير مكتشفة في العالم هي غابة حوض الأمازون، لا تزال هذه المنطقة قليلة الألفة لدرجة أن رافدا طوله 200 ميل قد اكتشف مؤخراً وذلك عبر القمر الصناعي. إن نظام جريان نهر الأمازون يضم 50000 ميل من ضفاف الأنهار الصالحة للملاحة و 16000 رافد. إن الغابة في كل ضفة من ضفاف النهر ضيقة وحصينة، على الأقل للأوربيين. هناك مستوطنون عاشوا على ضفة النهر بأمان مدة 40 سنة ولم يجازفوا بالابتعاد أكثر من ميل في الغابة! ويحتوي الأمازون على أكثر الغابات وحشية وحياة عدوانية، والمدهش هو أن هذه المنطقة المحيرة كانت تمثل يوما مركزا لأكثر التجمعات السكانية حيوية وكثافة، حيث ازدهرت هنا عدة مدن ضخمة مع وجود ازدحام مروري هائل إلى جبال الأنديز، وعلى الرغم من الصور التي زودنا بها القمر الصناعي إلا أننا كثيرا ما نجد مشاكل تعجيزية في إيجاد وتحديد مكان المواقع الأثرية. يمكن للطيار الذي يمر فوق الأمازون أن يحدد مواقع أبراج وقرى وآثار، فيقوم بتحديدها بدقة ويقدم تقريرا عنها، وإذ ما جاء أحدهم ليوثق هذه المعلومات بعد عدة أيام سيجد أنها قد اختفت وابتلعتها الغابة فتضيع مرة ثانية. أشار كارل براغر إلى أن “مشروع شق الطريق المار عبر الأمازون بين مانوس وبارسيليوس في أدنى ريونيجرو- أنشأ عام 1917- قد ألغي وهجر بسبب النمو المفرط للنباتات الاستوائية خلال فترة زمنية قصيرة جداً. هذا وقد وجد المساعدون التقنيون صعوبات في إيجاد الاتجاه الصحيح للطريق. وبناء عليه ليس من الغرابة أن نعجز عن إيجاد المدن القابعة في تلك الغابات الكثيفة. بالإضافة إلى الانتشار الواسع للضباب الذي لا يزول ولا يتلاشى أبدا إلا بعد حلول الظهيرة وهنالك منطقة في شرقي الأكوادور والتي حمل منها السكان الأصليون آلاف التحف والمصنوعات الأثرية- التي تعود إلى ما وصفوه بالأهرامات العملاقة والمدن الهائلة المهجورة- لا تكن مبتهجاً، فهذه منطقة محرمة ولا يزال الهنود المحليون يقتلون كل غريب وفضولي محب للإطلاع. ويمكن للدخلاء على منطقة ماتوغراسو في البرازيل أن يتوقعوا نفس المصير. نعم صدقوا هذا فالسجلات الموثقة عديدة حيث اختفت دورية حراسة مؤلفة من 1400 شخص في الغابة، ذهبوا دون عودة، هذا الجحيم الأخضر الغير مكتشف يبتلع الزوار الغرباء باستمرار.
جميع الآثار القديمة حول العالم تتحدث عن قصة مخالفة لما نتعلمه الآن. جميعها تقول بأنه في فترة ما قبل 5000 عام (حيث كان من المفروض أن أسلافنا يقطنون الكهوف ويعيشون في مستوطنات بدائية) سادت ثقافة متقدمة ذات مستوى عال في كل أرجاء العالم، من سيبيريا إلى القطب المتجمد الجنوبي ومن غرينلندا إلى إفريقيا. لقد زال هذا العالم الخارق بشكل كامل لدرجة أننا اعتقدنا بأنه لم يكن موجود أساساً. لكن الغريب في الأمر هو أن رغم الإزالة الكاملة لهذه الحضارات، إلا أن آلاف الأجزاء والقطع قد نجت من هذا الزوال. مثل السجلات المكتوبة والموروثات الشعبية، والأساطير والملاحم الأدبية والآثار المادية والملموسة. جميعها تشير إلى هذا العالم الغامض العجيب المذهل والسحيق في القدم.
4- بعد دمار المدن جاء الإنسان الحجري؟! ارتفع عامود متوهّج من اللهب والدخان كآلاف الشموس الساطعة بكلّ بهاء. كان الناس جامدون يراقبون الغيوم الحمراء اللون مندفعة بقوّة نحو الأرض. وبدأت الرياح العنيفة تهبّ بسرعة هائلة. قرب المدن، راقب المشاهدون بشرود وانبهار.. آلاف الجثث احترقت وأصبحت رماداً…. وخلال ساعات قليلة، فسدت جميع المأكولات… وسرعان ما انتشر شبح الخوف من الأمراض الإشعاعية… لم نر من قبل سلاحاً مريعاً كهذا، ولم نسمع من قبل عن هكذا سلاح..”!
استخلصت هذه الرواية من مخطوطات قديمة جداً، وثيقة لا يمكن لها أن تكون موجودة… لكنّها موجودة بالفعل. هذه التفاصيل استُخلصت من صفحات تغير لونها مع الزمن، تصوّر لنا الإرهاب الذي عاناه الناجون من تلك الكارثة النووية. جاء الدمار الكامل لمراكز الحضارات الراقية (نتيجة حرب ذرية في الألفية الثالثة قبل الميلاد) بسرعة وبدون سابق إنذار. لم يترك هذا الحدث وقتاً لإنقاذ أي شيء سوى الأساسيات.
شرع الناجون من هذه الكارثة في بدئ حياة جديدة في الغابات والجبال التي لم يطلها الإشعاع الذري والدمار. وبعد أن حرموا من الصناعة المتقدمة جداً التي كانت تؤمن جميع متطلباتهم اليومية، أجبروا على العودة إلى صنع مستلزماتهم الأساسية بأنفسهم. وفي طبيعة الحال، عادوا إلى البداية… حيث تأمين احتياجاتهم الغذائية عن طريق الزراعة… وكانت بدائية بكل المقاييس. مع أنّ أفرادها كانوا ذوي مهارات وخبرات عالية (مهندسين وأطباء وخبراء من جميع الاختصاصات)، لكن لم يكن هناك ما يكفي منهم لإنشاء حضارة بتلك السرعة… خاصة في تلك الظروف الرهيبة من الحرمان والفوضى وطريقة حياة قاسية كانوا مجبورين على مواجهتها. فكل حضارة تتطلب كثافة سكانية معيّنة، ومنظّمة وآمنة، وذلك لم يعد متوفراً، لذلك أجبروا على حياة بدائية والهدف الوحيد كان الحصول على الأساسيات التي تمكنهم من البقاء على قيد الحياة.حدث ذلك في جميع أنحاء العالم وفي الوقت نفسه، جميع المراكز الزراعية الأساسية في العالم ظهرت فجأة في نفس الفترة، وفي أماكن مختلفة من العالم (فليتفضّل المؤرخون لشرح ذلك؟). ظهرت هذه المراكز الزراعية الجديدة في شمال شرق الصين، جنوب شرق آسيا، شمال شرق المكسيك، البيرو وفنزويلا. وأضيف إلى ذلك، جميعها ظهرت متاخمة لمناطق قد دمّرت من خلال محارق نارية هائلة (حرب نووية)… (مثل: المراكز الحضارية في الهند وصحراء غوبي وأنقاض وادي الموت في كاليفورنيا والوجه المنصهر لساكسايهومان في أمريكا الوسطى والحطام المنصهرة المحولة إلى زجاج في الغابة البرازيلية).
سكان الكهوف ..
الانسان الذي يقولون عنه بدائي وسكن الكهوف هم في الحقيقة جماعات ناجية من كارثة انسانية حدثت على الارض
هل تعلم أن علماء الآثار أعادوا النظر مؤخراً حول جميع الحقائق المتعلقة بسكان الكهوف الأوائل، حيث لم يجدوا شيئاً يشير إلى إنسان متوحّش، بل وجدوا إنسان متمدّن جداً؟! هذا ما توصل إليه المؤتمر الأخير لعلماء الأنثروبولوجيا (علم الإنسان). لكن هل يمكن لهذه النتيجة أن تنشر وتدرّس رسمياً؟.. لا أعتقد ذلك.
والآن، دعونا نتعلم شيئاً عن رجل الكهف هذا، حيث هناك إثباتات كثيرة تشير إلى سلوكه المتحضّر. ففي لازاريتو جروتوس Lazzaretto Grottoes بالقرب من نيس في فرنسا، حيث وجدت في إحدى الكهوف قطعة عظمية تعود لغزال صغير، هي عبارة عن مقبض مصنوع بمهارة كبيرة، إنّها موس حلاقة تعود إلى ما قبل التّاريخ! هذا دليل على أناس يدركون خلفيتهم المتحضّرة جيداً، ومجبرين على استخدام كلّ مهاراتهم التّقنية المتقدمة في بيئة بدائية ومتوحّشة. أناس كانوا في فترة من الفترات على اتصال بأشخاص آخرين متحضرين، ولكنهّم بعد ذلك أصبحوا مقيّدين ومجبرين على استخدام المعدّات الأوّلية من أجل البقاء.
القصّة هي نفسها على الجانب الآخر من العالم. ففي جبال سوبيس Subis Mountains في غرب بورنيو، تمّ الكشف عن شبكة من ألمُغر تحتوي على كهوفاً ضخمة ومبنيّة على شكل صالات واسعة مزيّنة بمنتهى الجمال والدقّة. هذا دليل إضافيّ على الخلفيّة الحضاريّة. لاحظ تشارلز بيرليتزCharles Berlitz أنّ كثيراً من التّحف والمصنوعات الموجودة هناك توحي باهتمام إنسان الكهف بالمراسم والفن والزّخارف، “كما لو أنّهم كانوا يحاولون مزج الفنّ الراقي الذي كان مألوفاً لديهم سابقاً بتقنية تناسب حالتهم الحالية حيث الصراع للبقاء”. ما الذي يثبت حقيقة أن إنسان الكهف لم يكن عبارة عن كائن متوحش يتقدم تدريجياً في عملية التطوّر؟… الجواب هو: “لقد أخبرونا بأنفسهم”… وهذا ما يمكن استخلاصه من فنونهم. فهي تشير إلى أنّ خلفيتهم كانت بنفس المستوى المتقدم الذي تتصف به خلفيتنا الحضارية اليوم.
نوعيّة الفن التي استخدمها إنسان الكهف الأوّل
هناك ستة نقاط وجب ملاحظتها:
1- رسومات الحيوانات على الصّخور في الكهوف في ألتاميرا Altamiraلاسكوس Lascauxريباداسيلا Ribadasella ، وغيرها هي عبارة عن روائع فنّية مهما كانت الفترة الزمنيّة. الواقعية والجمال لهذه الرّسومات تكشف عن موهبة فنيّة متطوّرة هي أرقى بكثير من رسومات الحيوانات في مصر، بابل، واليونان.
2- تعتبر الرّسومات في كهف ألتاميرا (بالقرب من سان تاندر، إسبانيا) من النّاحية الجمالية، هي بنفس جودة الرّسومات الحديثة.
3- تشهد الرّسومات في كلّ من الجزائر، وليبيا، ولاسكوس على الحضارة المتقدّمة التي استخدمت الرّسم المنظوريّ والشّكل الحر، وهذا يعتبر فنّ متطوّر جداً. فالرّسم المنظوريّ لم يستخدم حتى القرن الخامس عشر الميلادي.
4- واتّبعت رسومات الكهوف طريقة منظّمة في التّرتيب الرّمزي، بحيث هي منتشرة في كافة أرجاء أوربا الغربية؟ كانت الكهوف المزخرفة تقسّم تبعاً لما يبدو أنها أنظمة ميتافيزيقية لازلنا نجهلها.
5- ليس هذا فحسب، بل إنّ رّسومات الكهوف- بالنّسبة لمواضيعها- لها نمط موحّد شائع في جميع أنحاء العالم. وكأنّها جاءت من مدرسة واحدة.
6- الكهوف الرّائعة في مونتيناك، في لاسكوس Montignac-Lascaux والتي أُقفلت الآن أمام العموم، سمّيت بـ “سيستين شابل” لعصور ما قبل التّاريخ Sistine Chapel of prehistory بسبب جمال رسوماتها. (سيستين شابل هي القاعة الرئيسية في الفاتيكان ومرسوم على سقفها لوحة مايكل أنجيلو المشهورة).
استخدم فنانو الكهوف المؤثّرات ثلاثيّة الأبعاد باستخدام الأشكال الطّبيعية للصّخور. ما فعلوه هو: الثّغور الصّغيرة أصبحت عيون ثور البيسون الغاضبة، الشّقوق أو الصّدوع أصبحت جروح غزال مصاب. النّتوءات غريبة الشّكل أدمجت في رسومات كالرّأس أو الحدبة. فحتى اليوم، تستخدم تناقضات الضّوء والظّلال وتوزع على أشكال الصّخور الطبيعية، فتظهر الحيوانات على أنّها حيّة وتتنفّس. هنا تكمن تّقنية وتّأثيرات راقية في تاريخ الفنّ. لقد كان سكان الكهوف في مستويات لم يصلها الإنسان العصري سوى مؤخراً! وهناك أمر واحد مؤكّد عن إنسان الكهف. كانت ثقافته الفنيّة أكثر تطوّراً من سكّان الرّيف الأوروبيّ اليوم.
أشار روبير تشاروRobert Charroux إلى أنّ تصنيع أقلام من أكسيد الحديد أو المنغنيز المستخدم في الرّسم يتطلّب تقنية معقّدة ومتطوّرة. وهذا يجعلنا نستنتج السؤال التالي: هل تعتقد أنّ هؤلاء الناس كانوا أغبياء عاجزين عن تركيب حجرين فوق بعضهما لبناء حائط؟!
كانت ثقافتهم الفنيّة أكثر تطوّراً بالمقارنة مع مستواهم الفكري الذي وصفه العلم الرسمي
يبدو هذا غريباً، أليس كذلك؟ ولكن لاحظوا الحقائق التالية:
1- لم يعش فنانو لاسكوس في كهوفهم ولكنّهم حوّلوها إلى معارض للفنون. هل تعلمون كيف تمكّنوا من رسم هذه الصّور على ارتفاع 12 قدماً عن الأرض؟.. الجواب هو أنّهم استخدموا منصّة، والفتحات في الصخور، حيث وضعوا العوارض من أجل تثبيت الأخشاب، وهي ما تزال هناك. والآن، إنّ المنصّة لا يمكن أن تسبق معرفة البناء، إنّها تنتج عن تطوّر صناعة البناء. ولذلك يمكننا الجزم هنا بأنّ إنسان الكهف عرف كيف يبني المنازل.
2- وماذا نفعل بشأن فرن من العصر الحجريّ عثر عليه في نوايّيل، في فرنسا؟! كان مبنياً من حجارة على شكل طوب ومثبّت بالإسمنت.
3- في تشارو Charrouxوالتي تعتبر مركزاً كبيراً لمعدّات ما قبل التّاريخ، يمكنك حتى الآن إيجاد فؤوس حجريّة، هناك كهوف عمقها 3 أميال، ولم تجد الحفريّات الأثرية أي دليل على أنّها كانت مسكونة من قبل.
4- في تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، اكتشفت منازل تعود إلى العصر الحجريّ. تكشف عن تقنيات بناء معقّدة وإلمام كبير في مجال الرّياضيّات والهندسة.
إذاً، يمكننا استنتاج أنّ إنسان الكهف لم يعش في الكهوف (ما عدا في حالات نادرة كما هي ظاهرة اليوم). معظم مواقع الأدوات الحجريّة (وتشمل الموقع الأكبر في العالم وهو على مساحة 10 آلاف هكتار) لم تكن بمكان قرب الكهوف. لقد عاش إنسان الكهف في منازل…