الاثار العربية

“الخرنفش” شارع أثري صنع كسوة الكعبة والآن يئن من الإهمال!

7201313143034

“الخرنفش” اسم مادة تستعمل في البناء !
اسطبل الخرنفش احتوى على ألف فرس ملكية!
دار الحكمة من خزينة للكتب والمعارف إلى الإغلاق

في كتابه “القاهرة شوارع وحكايات” الصادر عن هيئة الكتاب يتحدث الروائي حمدي أبو جليل بالتفصيل عن “شارع الخرنفش” الذي يعتبر ضمن 18 حيا وشياخة تتوزع على جنبات شارع المعز لدين الله.

شارع الخرنفش يتجول وسط المنطقة التي حوت آثار القاهرة الفاطمية فجنوبه كانت تمتد أسوار القصر الغربي الذي أنشأه الخليفة العزيز بالله الفاطمي، وجنوب القصر الغربي كانت تحتله حارة كبيرة عرفت باسم حارة الأمراء لأن السكن فيها كان محرماً إلا على الأشراف من أقارب الخليفة في أيام الفاطميين
ولما زالت دولتهم سكن هذه الحارة شمس الدولة توران شاه بن أيوب.

الخرنفش اسم الشارع هو تلك المادة التي تتحجر من وقود الحمامات القديمة وكانت تستعمل مع الجير مونة للبناء، وبسبب أن الخليفة العزيز بالله استعملها في بناء القصر الغربي الذي كان يتوج المنطقة عُرف الشارع باسمها، وترسخ هذا الاسم عندما أطلق على دار فخمة بنيت في أول الشارع ووصفها المقريزي قائلاً “هي من أجلّ دور القاهرة وأعظمها، انفق في زخرفتها سبعة عشر ألف درهم”.

يبدأ الشارع بعنق ضيق ومزدحم ينفرج باتساع شارع بور سعيد “الخليج المصري سابقاً” ويمر وينتهي بغابة كثيفة من الحارات التي يوفر ضيقها وتلاحمها نوعاً نادراً من الألفة والمودة بين سكانه.

وكما يؤكد الروائي فإن وضع الشارع الراهن من حيث تواضع عمارته وبساطة سكانه يصنع مفارقة هائة مع الفخامة الأسطورية التي كان يتميز بها في بداياته، ويدلل على أن الشوارع مثل الناس تهمش وأحياناً تدمر إذا ابتعدت عن بؤرة السلطة السياسية بعد التصاق طويل!.

فعلى أيام الفاطميين كان شارع الخرنفش أهم شرايين قلب القاهرة الملكي، وكان ساحة عامرة يومياً بالخلفاء والأمراء والوزراء ونقطة لابد من اجتيازها لبدء الاحتفالات.

وحينما نقل صلاح الدين الأيوبي قلب القاهرة السياسي إلى قلعته الشهيرة خلع الروح الملكية للشارع وتركه عارياً من الفخامة وعرضه لانحسار الأضواء التي تلألأت فيه طويلاً، وعندما بدأ الخديو إسماعيل بالتشبه بالحياة والعمارة الأوروبية نقل قلب القاهرة إلى قصر عابدين ليقع شارع الخرنفش في شرك التجاهل والإهمال ويفقد أهميته السياسية للأبد.

اسطبل الجميزة

كان هذا الاسطبل يقع بالقرب من شارع الخرنفش كان يحتوي على ألف فرس مخصصة لتشريفات الخليفة الفاطمي وكل فرس منها كانت لها شداد يسيرها، ولكل ثلاث، سائس يتولى خدمتها ولكل عشرين سائس عريف يؤتمن على استلام السروج وهي محلاة بالذهب والفضة من خزائن السلاح قبل المواكب الملكية.

حارة برجوان المتفرعة من شارع الخرنفش كانت تضم دار الوزارة الفاطمية، وهي في الأصل قصر بناه “أبو الفتح برجوان” الذي كان خصياً أبيض من أجمل وأخلص خدم الخليفة العزيز بالله الفاطمي لذلك أوصاه العزيز وهو على فراش الموت بالوقوف بجانب ابنه الحاكم بأمر الله الذي آل إليه عرش الدولة الفاطمية قبل أن يبلغ سن الرشد.

غير أنه بعد وفاة العزيز لم يبر بالوصية واستبد بالسلطة واطلق العنان لملذاته فما كان من الحاكم بأمر الله بعد أن بلغ سن الرشد إلا أن دبر له كميناً أودى بحياته.

دار الحكمة

على مشارف شارع الخرنفش وبالقرب من دار الضيافة التي ظلت على مدى قرون، انشأ الحاكم بأمر الله دار الحكمة وحمل إليها أطنان الكتب من خزائن القصور والمساجد الفاطية وخصص لها الفقهاء والقراء والعلماء والأطباء وفرشها وزخرفها، وعلق على أبوابها وممراتها الستائر وصرح بنسخ أو إعادة طبع كتبها لكافة روادها وظلت هذه الدار تواصل تثقيف وتنوير أهالي القاهرة حتى أغلقها الوزير الأفضل شاهنشاه، عندما أبلغه جواسيسه أن بعض أساتذتها يفسدون العقول بفلسفتهم، ومنهم القصار الذي قيل أنه ادعى الإلوهية وتبعه كثيرون وبناء على ذلك داهم الأفضل دار الحكمة وقتل كل من وجده بها غير أنه لم يتمكن من القصار الذي نجح في الهرب.

وبعد قتل الأفضل أمر الآمر باحكام الله وزيره المأمون البطائحي الذي كان يسكن بالقرب من الشارع بإعادة فتح دار الحكمة، فعاد إليها القصار وأتباعه مرة أخرى وواصلوا تأملاتهم الدينية فقبض عليهم وقتلوا جميعاً وأغلقت دار الحكمة.

وكما يؤكد أبو جليل فإن شارع الخرنفش يعيش الآن يعيش تحت ثقل وضع يناقض تماما فخامة ماضيه الأسطوري، فهو يبدأ بزقاق ضيق مزدحم بسيارات الأجرة والبائعين الجائلين وفي وسطه يقف شاب في مقتبل العمر أمام فاترينة لبيع وجبات المكرونة السريعة، ومن خلفه تطل واجهة مدرسة القديس يوسف التي تعرف بمدرسة الفرير وتعد من أهم منشآت الشارع ودرس بها عديد من مشاهير الأدب والفن والسياسة ومنهم الفنان نجيب الريحاني.

جراج السلام بالشارع يقع على ناصية حارة خميس عدس وفي تلك المنطقة كان يوجد مشغل الكسوة الشريفة وقبله كانت ورشة خميس عدس التي انشأها محمد علي باشا لصناعة السندانات والمخارط الحديدية والقواديم والمناشير وغيرها، وكذلك أدوات النوال لصناعة غزل ونسيج الحرير والقطن والمقصبات “أي الملابس التي بها خيوط من الذهب أو الفضة”.

واسم الحارة “خميس عدس” يرجع إلى خميس العهد وهو أحد أعياد المسيحيين وفيه يقومون بطبخ العدس ويسميه أهل الشام خميس الأرز، أما أهالي الأندلس فكانوا يسمونه خميس إبريل وقد كان الفاطميون يحتفلون بهذا العيد مشاركة لرعاياهم الأقباط، وكانوا يضربون فيه نقوداً تذكارية من الذهب كانت تسمى الخراريب وتوزع على رجال الدولة بمقادير معلومة!.

أهم ملامح الشارع بشكل عام هي تلك الأبواب القديمة التي أبت أن تفارق الحياة رغم فناء أهلها ودمار بيوتها وأسلوب عمارتها، وبعد حارة “خميس عدس” ينتهي الشارع وسط غابة من الحارات الضيقة.

الاقسام

اعلانات