أشرف فواخري فنان تشكيلي فلسطيني يهيمن موضوع “الحمار” على كل أعماله، وبواسطته يعبر عن فنه ورؤيته وسخريته السوداء الموجهة للاحتلال الإسرائيلي، إضافة لظواهر اجتماعية.
ويعرض فواخري -في مدينة الناصرة داخل أراضي 48- الكثير من أعماله التشكيلية التي تتنوع وتختلف وتلتقي حول الحمار، في إطار معرض فني ضخم افتتح بعنوان “شخص غير مرغوب فيه”.
ويستوحي الفنان تسمية المعرض الحالي من التعامل الفظ لإسرائيل مع المواطنين الفلسطينيين الأصليين الذين أشعرتهم أنهم “شخص غير مرغوب فيه” نتيجة احتجاجاتهم على حربها الأخيرة ضد غزة.
ويتجلى ذلك أيضا في عمل فني من حديد يظهر فيه حمار استبدلت قدماه ببندقيتين، أو في لوحة لحمار يظهر بالزي العسكري.
وبسياق الإيحاء، استلهم فواخري أيضا ديوان الشاعر الراحل سميح القاسم “شخص غير مرغوب فيه” بلوحة “تألم”، يبدو فيها الحمار مكوّنا من كلمات القصيدة وكأنه يحثه للتألم والتمرد والتفجر.
تنظيم الدولة
وبواسطة الحمار أيضا، يتمكن من الرد على رؤية الإسرائيلي العنصرية والاستعلائية بتعامله مع الفلسطينيين، مثلما هو وسيلة لتوجيه سهام النقد لـ”تنظيم الدولة” بارتكابه عمليات الإعدام من خلال صورة مسؤول الإعدام وهو يستعد لاغتيال حمار.
صورة ساخرة تظهر شخصا ينتمي لتنظيم الدولة وهو يتجهز لإعدام حمار (الجزيرة)
وأعمال فواخري عبارة عن نتاج حوار طويل مع الحمار بأعمال فنية متنوعة تبعث الابتسامة والتأمل والتفكير، وهي رسومات وصور وطباعة وفيديوهات ومجسمات من حديد وخشب وطين وغيره.
ولا يظهر الحمار في أعماله الغزيرة حيوانا خانعا وعنيدا فحسب، بل ذكيا ومحاربا ومناضلا وصبورا وعاشقا ومسالما، وغيرها من الصفات الطّيّبة كالارتباط بالأرض والاهتداء للطريق في المعاصي والقناعة بالقليل.
ورغم أن الحمار لم يشارك في الفتوحات والمعارك البطولية بعكس الفرس، لكن الفنان فواخري يبجله ويبرز سمة الصبر والتحمل لديه، وبرأيه هو أكثر ذكاء من الحصان كما يوحي في واحد من رسوماته.
وردا على سؤال الجزيرة نت، يشدد فواخري على غنى الدلالة الرمزية للحمار، منوها بأنه بها يعكس -بضوء ساخر- رؤية الاستعلائية والنمطية ومحاولة وصم المجتمع الفلسطيني بأنه بدائي ومتخلف، علاوة على استخدامه ذخيرة ضد الحروب والعنف.
نكبة ونكسة
وفي لوحة “نكبة ونكسة”، تظهر أرقام 48 و67 غنية بالألوان وعليها حماران متدابران ظهرًا لظهر يبدوان كنصبين تذكاريين يعلنان الفرح والنصر، وفيها يبعث المتلقي للتأمل في الحالة الفلسطينية الراهنة بروح نقدية بلون ساخر.
وفي لوحة “النصر” يسخر الفنان من الانتصارات الوهمية بخفة دم عبر لوح تبدو فيه أذنا الحمار على شكل شارة الانتصار.
لوحة من لوحات الفنان أشرف فواخري (الجزيرة)
وفي لوحة “حدود”، يوظف الفنان -ابن قرية البصة المهجّرة بقضاء عكا- الحمار لمواجهة تقسيم الفلسطينيين لمجمعات سكنية متباعدة بلوحة تجمع خيوط التطريز “النسائية” والمسامير “الذكورية” الحادة للربط بين المدن الفلسطينية قبل نكبتها عام 48 كوحدة واحدة من صفد إلى خان يونس.
ويأتي هذا المعرض بعد ثمانية معارض تدور كافتها في فلك الحمار، حيث جاء الأول بعنوان “أنا حمار” والثاني “فخر الصناعة الوطنية”، وفي المرة الثالثة أيضا خلع عليه اسما ساخرا “ميد إن فلسطين” (صنع في فلسطين).
ويبدي مشرف المعرض الفنان فريد أبو شقرة إعجابه بالأسلوب الأسود الساخر الذي يهتم بالصراع اليومي الدائر، فتحلّق الرموز في أعماله بحِرَفية ذهنية.
حمار بقوائم كلاشنيكوف في معرض “شخص غير مرغوب فيه” (الجزيرة)
مشروع توثيقي
ويوضح أبو شقرة للجزيرة نت أن الفنان فواخري حوّل الحمار إلى شخصية ثقافية، وذلك من باب الانتماء، محققا نجاحات كثيرة بانتمائه الصادق والصريح إلى هويته وثقافته وأمته وسط موازنة بين الأصليّ والحديث.
وينوه أبو شقرة بأن هذا هو ما دفع فواخري للتمتع بالحمار من خلال القسوة ذاتها، فتارة يقلبه على ظهره ويثقبه بالمسامير وينسجه بإبرة وخيط، ويضعه على فوهات البنادق، يُصَهْيِنه و”يؤسرِله” ويهوّده ويعرّبه ويؤنّثه ويؤمرِكه ويدجّنه.
ويتفق الفنان فواخري نفسه مع أبو شقرة بأن الحمار بالنسبة له مشروع توثيقيّ للحياة اليوميّة للفلسطيني بواقعه العبثي في بطن الحوت، كما يوحي عنوان المعرض “شخص غير مرغوب به”.