يضطر الناس اليوم عند البحث عن وظيفة إلى مغادرة منازلهم والانتقال إلى مدينة أخرى، وهذا أمر، بعض الأحيان، في غاية الصعوبة والتعقيد عندما يحتاج الإنسان لتسوية أوضاعه بين عشية وضحاها. لكننا نحن الآن نتحدث عن الانتقال من مكان إلى آخر في العالم المعاصر، ذلك العالم الذي يوفر الخدمات المطلوبة وجميع أنواع وسائل النقل. لكن تخيلوا الصعوبات التي كان يواجهها الناس عند القيام بهذه الخطوة في العصور القديمة.
الحديث هنا يدور عن أكثر المواضيع نقاشاً في العصور القديمة وهو انتقال عاصمة الفرعون إخناتون من طيبة إلى تل العمارنة.
هذا الفرعون حصل على اسمه أمنحتب بعد ولادته فوراً وحصل على رقمه التسلسلي الرابع بعد توليه زمام الحكم ليصبح أمنحتب الرابع. ولكن هذا الفرعون نهج لنفسه فجأة طريقاً ابتعد فيه عن الشرائع المصرية الكلاسيكية وقرر أن يسلك طريق التوحيد. ويختلف المؤرخون حتى يومنا هذا حول السبب الذي جعل أمنحتب الرابع أن يحول سكة مصر إلى طريق التوحيد، ولماذا اتبع خطة نقل العاصمة إلى مدينة اضطر فيها المصريون أن يبدؤوا بنائها من نقطة الصفر. وهنا يرى بعض علماء المصريات فرضية واحدة وهي أن أمنحتب الرابع اضطر لاتخاذ هذه الخطوة لأن والدته تيي ليست من أصول ملكية، ولهذا السبب كان يعتقد الكهنة في مصر أن أمنحتب الرابع فاقد للشرعية ويؤكدون على ضرورة نقل السلطة إلى فرعون آخر، مما اضطره لاتخاذ مثل هذه الخطوة الجبارة آنذاك وقرر ألا يعبد المصريون من الآن فصاعداً الآلهة التي كانوا يعبدونها طيلة حياتهم المتمثلة بكبار الكهنة وإله الشمس آتون. ولكي يقطع جميع السبل إلى تلك العبادات التي وضعته في مكانة متدنية وأنزلت من مقامه، غير أمنحتب الرابع اسمه وأصبح أخناتون وقرر نقل العاصمة المصرية إلى الصحراء، ذلك المكان الذي كان بعيداً عن تأثير الكهنة المصريين.
بطبيعة الحال فقد أثارت هذه الإصلاحات عاصفة من سخط الكهنة الذين كانوا يبذلون قصارى جهدهم لإضعاف قوة أخناتون، لكن الفرعون حكم البلاد لمدة 17 عاماً شهد خلالها الفن المصري نهضة حقيقية والاقتصاد انهياراً كبيراً، واندلعت انتفاضات هنا وهناك لم يلجأ خلالها أخناتون لقمعها بيد من حديد. ونتيجة لذلك عندما توفي أخناتون قررت مصر إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً وعادت العاصمة مرة أخرى إلى مقرها الأصلي مدينة طيبة بعد تسلم توت عنخ أمون زمام الأمور وأعاد طقوس عبادة الآلهة أمون رع.
هذه الفترة من تاريخ مصر القديمة أصبحت أكثر جدلاً واهتماماً، ولا يوجد حتى الآن توافق في الآراء حول فيما إذا كان أخناتون ملكاً سيئاً أو أنه سياسي مصلح محب للحرية.