دقت عمان جرس الإنذار، وكشف خبراء آثار وتراث معماري فيها عن العديد من الاعتداءات التي تتعرض لها آثار قديمة في منطقة «جبل عمان» تحديدا، بدءا بعمليات هدم الاثار القديمة والعريقة تمهيدا لاقامة مبان سكنية وتجارية ومطاعم مكانها، وصولا الى ردم معالم تراثية تاريخية تعود الى آلاف السنين وتشكل كنزا أثريا، يبرهن على عراقة عمان الحضارية، فهل من مبادرة لتدارك الكارثة؟.
ما لم يتم اتخاذ تدابير وقائية ناجعة فلن تستطيع الدولة الحفاظ على تراثها. وللأسف فإن الاخبار المتعلقة بآثار عمان القديمة غير سارة، فالازمة تكبر وتتضخم على 3 مستويات: أولا- الابنية التراثية التي تتعرض للهدم دون أي «مقاومة رسمية»، وثانيا- عمليات اختفاء آثار معالم عمان الاثرية، وثالثا- كيفية المحافظة على آثار جبل عمان تحديدا وحمايتها من عمليات البناء وإعادة البناء وزيادة عامل الاستثمار السياحي الذي دمر من تحته تراثا أثريا عريقا وفريدا من نوعه.
قد يظن البعض أن قلة تناول الاعلام للأزمة والمخاطر التي تتعرض لها آثار عمان منذ فترة طويلة تشير الى أن الامور «على خير ما يرام»، الا أن مراقبين مختصين ومعنيين في علوم الاثار والمعمار يقفون مستغربين أمام وقائع كثيرة تطرح بعضها البعض بعيدا عن أي خلفية جدلية، فما يهمنا هو حماية تراثنا والحفاظ على القليل الباقي منه في قلب عاصمتنا التي كانت يوما مهدا للحضارات.
ربما كانت السنوات الاخيرة سيئة على الاثار، وليس كما هو متوقع بصدور أكثر من قرار حكومي يحث على حماية ورعاية الاثار والثرات المعماري القديم لمدينة عمان، فعلى العكس، ازدادت عمليات الاعتداء، ولم يحدث أي تحسن يذكر.
في هذا السياق، كشف الستار أخيرا عن مطعم في شارع الرينبو بجبل عمان شيد فوق «مغارة تراثية» تحتوى على كنوز أثرية تعود الى عصور قديمة.
ويبدو أن ملف الاثار حالك السواد، ولا بصيص أمل حكوميا يذكر لمواجهة موجة الاعتداءات السافرة التي ينفذها مستثمرون في قطاعي العقار والسياحة بحجة الاستثمار المستهتر بتراثنا الحضاري والانساني، فلم تظهر وزارة السياحة ولا أمانة عمان ولا دائرة الاثار العامة أي اكتراث للحقيقة التاريخية للمكان الذي شيد عليه المطعم والكنز الاثري الذي يقبع تحته.
وفي هذا الاطار، يمكن لهذا المطعم – الذي نتحفظ على ذكر اسمه – أن يعطي مثالا على الاهمال وغياب الرقابة على التراث الاثري للمدينة، وتدخل «البزنس» في طرق غير سوية ولا سليمة في الاعتداء على هوية المدينة وذاكرتها التاريخية والمعمارية، فالمعلومات تشير الى أن الجهات التي منحت ترخيصا للمطعم تدرك القيمة التاريخية للمكان، وتعلم حقيقة الكنز الاثري في شارع الرينبو، ولكن هذا لم يردعهم عن هدمها وتشييد مطعم أو مبنى تجاري مكانها.
يبدو بوضوح أن الدولة تتعامل مع ملف الاثار بأنه من «الكماليات» التي لا يمكن تحمل أعبائها بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة، بل إن حملات شرسة ومنظمة يقودها مستثمرون في العقار والسياحة في جبل عمان تجعل من ملف الاثار والحفاظ عليها أولوية، فحالها صار أشبه بالضحية التي من السهل افتراسها وسط تراخ وتخاذل رسمي في حماية التراث الاثري للمدينة.