يتمتع إقليم كردستان بموقعه الفريد ومناخه الجميل والطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة فضلا عن وجود الكنوز الأثرية المذهلة والشوامخ والشخوص التي تروي حكاية الإنسان الكردي وما بلغ من منزلة بين الأمم والشعوب ودوره الخلاق في عملية صنع الحضارة الإنسانية .
في السليمانية هذه البقعة الرائعة من العالم نشأت أولى حضارات أضاءت للإنسان دروب التقدم وهي تحمل بثقة وثبات مشاعل النور لتبني وتشق الطريق إلى الإنسانية ليفضى إلى عالم الرقي والحضارة. تشير بعض الوقائع والوثائق التاريخية إلى قيام بعثة أثرية تتألف من نخبة طيبة مختارة تتمتع بسمعة طيبة في الأوساط الأثرية العالمية. بأعمال التحري والتنقيب في سهل شهرزور في صيف العام 1973 وركزت جهودها المضنية في المواقع التالية من هذا السهل المهم .
1 – تل عربت : حيث سبق لهذه البعثة أن كشفت في الموسم الأول عن خمس طبقات سكنية في هذه المستوطنة وذلك في مقطع مساحته 40X10م وكان أهم ما تم استظهاره من مخلفات بنائية وأثرية هو ما ظهر في الطبقة الثالثة حيث عثر فيها على نوع من الفخار الإسلامي الأحمر الذي يكثر في المناطق الكردية في القسم الشمالي الشرقي من العراق .
والشكل العام لهذا الفخار عبارة عن جرار كروية الشكل ذات مقابض هلالية وهناك قسم منها خال من المقابض ونماذج من هذا الفخار مزينة بحرز على شكل الرقم (8) رتب الواحد فوق الآخر وعالية هذه الفخاريات.مدلوكة ومصبوغة أو مطلية بالون الأحمر. ويعتقد أن قسما كبيرا منها استخدم للطبخ وقد تم العثور على مجموعات من كسر الفخار الإسلامي من النوع المزج. وقد سعت البعثة أثناء التنقيب إلى الكشف عما تبطنه هذه المستوطنة.
فاستظهرت طبقتين آخرين بقايا معالم مجموع الطبقات الإسلامية هي سبع طبقات. وقد تمكنت البعثة من تحديد بقايا معالم هذه المستوطنة حيث تم الكشف عن ثلاث أسوار من أزمنة مختلفة تحيط بالموقع وهي مبنية بالحجارة غير المهندسة وقد دعمت بابراج نصف دائرية: كما تم الكشف عن مدخل هذه القلاع في القسم الجنوبي من التل. وكشفت التنقيبات في أسفل الطبقات الإسلامية من هذه المستوطنة عن مخلفات اثارية أهما فخاريات ترجع إلى نهاية عصر الوركاء القديمة. الا انه لم يعثر على بقايا بنائية بصورة واضحة من هذا العصر .
وإنما تم استظهار بقايا حافة المستوطنة الوركائي . وبعد النزول في الحفر أسفل هذه الطبقة عثر على كسور فخارية تعود إلى عصر (العبيد) .أن هذه المخلفات تدل على أن الاستيطان في عصور ما قبل التاريخ كان محصورا في القسم الشمالي من تل عربت وما يفسر ذلك ما وجدت في ارتفاع الأسوار الإسلامية في الجانب الشمالي وانحدارها في الجوانب الأخرى. 2 – ياسين تيه : تعد هذه المستوطنة من المواقع الأثرية البارزة في شهر زور نظرا لسعة حجمها. وقد بوشر بإجراء التنقيب فيها وذلك في قلعة التل وتم الكشف عن أجزاء في قصر كبير ولعل هذا البناء كان بمثابة المركز الإداري للمدينة وظهر من دراسة اللقى الأثرية وخاصة مجاميع من الفخاريات بان الطبقات الثلاث العليا من موقع ياسين تيه توازي الطبقات الإسلامية المستظهرة في تل عربت . وتمكنت البعثة من تحديد تاريخ الأدوار الإسلامية وذلك استنادا إلى اللقى الأثرية حيث عثر على (67)دينارا إسلاميا كان البعض منها نقودا فاطمية ضربت في طرابلس ومصر وأخرى في الإسكندرية. وأخرى عباسية ضربت في مدينة بغداد والبصرة ونيسابور ومعظمها ترجع إلى القرن الخامس الهجري . . وبذلك يمكن القول بان الطبقات الإسلامية في تل عربت والطبقات الإسلامية الثلاث المستظهرة في موقع ياسين تيه ترجع جميعها إلى الفترة الواقعة بين القرنين الخامس والسادس الهجري . وتعاقبت بعد هذه البعثة عدة بعثات وواصلت التنقيب في هذه المدينة الأثرية وكشفت عن معالمها البنائية وأدوارها التاريخية التي أعانت كثيرا البعثاث في إلقاء الضوء على تطور الحياة الاجتماعية والسياسية لهذه المنطقة عبر العصور .
3 – كردي رش : وهي المنطقة الثالثة التي شملها التنقيب وتقع على مسافة يسيرة من بلدة عربت جوار الطريق المعبد المؤدي من عربت إلى دربندخان وأثار هذا الموقع جميعها من عصر الوركاء.
وقد سعت بعثة الآثار بالقيام بحفريات ضيقة إلى جمع آثار من ذلك العصر لغرض الدراسة والمقارنة مع آثار طور الوركاء الحضاري الذي اشتهر في القسم الجنوبي من العراق بصورة خاصة حيث نضجت فيه الحضارة نضوجا أدى إلى ابتكارات مهمة كالكتابة والعمارة والحفر على الأختام الاسطوانية. ولم تنته التنقيبات الأثرية وظلت مستمرة وهي الان مزدهرة ومتقدمة على دول المنطقة في سرعة الانجاز والكشف عن آثار جديدة أصبحت مثالا ونموذجا حيا للعالم والإنسانية في توجهها الحضاري.