تعتبر “زبيد” أول مدينة إسلامية في اليمن، فقد اختطها علي محمد بن زياد مؤسس الدولة الزيادية في العام 204هـ وكانت قبل ذلك التاريخ عبارة عن ثلاث قرى صغيرة هي المنامة، النقير، وجبيجر.
ومنذ اختاطها اتخذها علي محمد بن زياد عاصمة للدولة الزيادية “أول دولة إسلامية يمنية”.
وقد ظلت عاصمة ومركز حكم للدويلات المتعاقبة مثل الدولة النجاحية والمهدية، ثم عاصمة شتوية ومركز علم وثقافة في عهد الدولة الأيوبية والرسولية والطاهرية في عهد المماليك، ثم أصبحت بعد ذلك مركزاً إدارياً وثقافياً منذ قدوم الأتراك حتى اليوم.
ونظراً لمكانتها العالمية فقد أصدرت منظمة اليونسكو عام 1993 قراراً باعتبار المدينة معلماً حضارياً تاريخياً ضمن معالم التراث الإنساني العالمي. وفى مارس من العام 1998 صنفت ضمن المدن التاريخية العالمية.
يحيط بالمدينة القديمة سور من الياجور شيد في القرن الثالث الهجري في عهد الأمير سلامة.
ولقد جدد هذا السور وأضيفت إليه إضافات أخرى في عهد الدويلات التي تلت، حتى هدم في عهد الدولة العثمانية 1045هـ، ثم أسند بناؤه للقاضي الحسن بن عقيل الحازمي قاضى زبيد في عام 1222هـ.
وتوجد للمدينة خمسة أبواب هي باب سهام في الشمال والشبارق في الشرق والقرتب في الجنوب والنخيل في الغرب وباب النصر في الجنوب الشرقي حيث القلعة المعروفة بدار الناصري الكبير والتي أنشئت في عهد الملك الناصر الرسولي على أنقاض قصور الزياديين والرسوليين في عام 828هـ.
وكان سور مدينة زبيد الخارجي يضم أربعة أبواب كانت تمثل أربعة اتجاهات جغرافية، إلا أن هناك أسماء أبواب أخرى كانت قائمة على أسوار المدينة، وأغلب الظن أن سبب ذلك يرجع إلى تغيير كان قد حصل في أسماء تلك الأبواب، فقد أشارت المصادر إلى أن باب النخل الذى كان ينفذ إلى المغرب والذي سمي نسبة إلى نخل وادي زبيد، كان قديماً يسمى باب غلافقة نسبة إلى ميناء غلافقة الذي كان يقع على ساحل البحر الأحمر وهذه الأبواب هي:
باب سهام: يقع شمال زبيد وقد سمي نسبة إلى وادي سهام الذي يقع إلى الشمال من المدينة ويبدو أنه كان الباب الرئيسي في المدينة فقد ذكر ابن الديبع أنه كان وجه المدينة وغرتها.
باب القُرتب: وهو الذي ينفذ من سور المدينة إلى وادي زبيد الذي يقع إلى الجنوب ثم إلى قرية القرتب وهي إحدى قرى وادي زبيد المشهورة.
باب الشبارق: يقع شرق المدينة وقد سمي باسم قرية الشبارق التي تقع إلى شرق زبيد، وهي إحدى قرى وادي زبيد المشهورة.
باب النخل: يقع غرب المدينة وقد سمي نسبة إلى نخل وادي زبيد، وكان قديماً يسمى باب غلافقة نسبة إلى ميناء غلافقة الذي كان يقع على ساحل البحر الأحمر. باب عدن، باب هشام: والراجح أن اسم هذا الباب الذي ورد عند المقدسي هو تحريف لباب سهام”.
عندما اختط محمد بن زياد مدينة زبيد بنى جامعها الكبير وكان يسمى بجامع المدينة ويعود الجامع في تأريخه إلى ما قبل القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي وقد مرت عمارته بعدة تجديدات وإضافات خلال العصور الإسلامية المتعاقبة فقد جدده الحسين بن سلامة سنة391 هـ-1000م ثم تعرض للهدم فيما بعد وأعيد بناؤه، وفي زمن سيف الإسلام طغتكين سنة “582 هـ 1186م” جدد كذلك، وبقي على حاله حتى زمن السلطان عامر بن عبد الوهاب فهدم وأعيد بناؤه من جديد سنة 897 هـ 1491م على يد المعمار المعلم على بن حسن المعمار.
ومن أهم مساجد زبيد جامع الأشاعر والذي يعتبر من العمائر الدينية المهمة في زبيد ويذكر ابن الأثير انه قد تم تأسيسه في عام 10هـ 631م في حين تشير مصادر أخرى إلى انه أسس سنة 8 هـ على يد جماعة من قبيلة الأشاعرة ومنهم أبو موسى الأشعري لذا نسبت تسميته إلى تلك القبيلة.
وقد مرت عمارة الجامع بمراحل عديدة إذ جرت عليه تجديدات خلال حكم الدولة الزيادية وفي عام 832 هـ 1428م عمره الأمير سيف الدين برقوق الظاهري وفي عهد السلطان عامر بن عبد الوهاب هدم الجامع سنة 897 هـ 1491م وأعيد بناؤه من جديد حيث أولى السلطان عامر الناحية العلمية اهتماما كبيرا واهتم بعمارة المباني الدينية وكان التعليم في زمنه يتم فيها إذ كثير ما كان الطلبة يتجمعون بجامع الأشاعر لقراءة صحيح البخاري كما احتفل بختم القرآن فيه سنة 916 هـ 1510م.
لقد أنشئت في مدينة زبيد العديد من المساجد والمدارس الدينية والتي درس فيها بجانب علوم الفقه واللغة علوم الطب والفلك والزراعة والكيمياء والجبر والحساب والمساحة وغيرها من العلوم.
فقد كان لزبيد مدينة العلم والعلماء السبق العلمي من بين مدن اليمن، فقد نشأت فيها أول مدرسة في اليمن وكان ذلك في أواخر حكم الدولة الأيوبية 569- 626 هـ 1173-1229م.
وأيام الملك المعز إسماعيل ابن طغتكين بن أيوب حيث شرع ببناء أول مدرسة في زبيد عام “594 هـ-1197م وسميت بالمدرسة المعزية ثم انتشرت المدارس بشكل سريع أيام الدولة الرسولية “626-858 هــ 1229- 1454م.
احتلت مدينة زبيد مركزاً ثقافياً عالي المستوى في الربع الأخير من القرن الثامن الهجري بعد أفول أو تضاؤل أهمية المراكز الفكرية والثقافية في العالم الإسلامي مثل بغداد ودمشق والقاهرة وأُحصيت المؤسسات الثقافية فيها في أواخر القرن الثامن الهجري فبلغت مائتين وبضعاً وثلاثين موضعاً على ما صرح به الخزرجي “ت812هـ” ومن بعده ابن الديبع الشيباني “944هـ” وهذا العدد يشير بجلاء إلى أهميتها من الناحية الفكرية في الحقبة التي تولى فيها الملك الأشر ف إسماعيل الغساني “803هـ” أمور الدولة الرسولية.
ويقول الباحث الزبيدي محمد بن محمد مطه: “لا يزال يوجد في زبيد اليوم – أكثر من ستة وثمانين مسجداً ومدرسة علمية بكامل هيئاتها ومرافقها. وهي المدارس والمساجد التي شكلت مؤسسات زبيد التعليمية والعلمية عبر التاريخ الإسلامي.
وكانت مصدر تخريج العلماء و الأئمة وكبار الشعراء والأدباء على امتداد الساحة اليمنية والعالم الإسلامي. وذلك من خلال العديد من مصنَّفاتهم ومؤلفاتهم وكتبهم التي مثـَّلت أساسا مرجعياً للفكر العربي والإسلامي”.
نظراً للمكانة العلمية الكبيرة التي حظيت بها زبيد فقد أصبحت مهوى أفئدة العلماء من كل حدب وصوب ومحط رحالهم الأمر الذى جعلها مرتبطة بالعديد من الأسماء الهامة في مختلف الجوانب العلمية ويعتبر معجم “تاج العروس” من جواهر القاموس للمرتضى الزبيدي إحدى النتاجات العلمية الخالدة التي أبدعتها زبيد فقد مثل هذا المعجم كما يقول الباحثون ذروة نتاج المعاجم اللغويّة.
وإذا ذكرت زبيد ذكر كذلك “القاموس المحيط” لمجد الدين الفيروز آبادى لأن زبيد احتضنت هذا العالم الجليل أكثر من عشرين سنة وعرفت له قدره فأعطته منصب القضاء الأكبر في المملكة اليمنية ومنحته لقب “قاضى الأقضية”، ومكنته من نشر العلم، وإقامة مؤسسات علمية،
وكتابة مؤلفاته الكثيرة مثل “القاموس المحيط”، و”وبصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز”، و”تسيير فائحة الأناب في تفسير فاتحة الكتاب”، و”تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين”، و”الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد”، وغير ذلك من الآثار الخوالد.
لشهرتها العلمية وازدهارها الحضاري كانت مدينة زبيد محطة هامة في أجندة الرحالة العرب والأجانب الذين زاروا اليمن في مختلف المراحل التاريخية وقد خرج هؤلاء الرحالة والمستشرقون كذلك بالكثير من الانطباعات المهمة عن زبيد فقد زار الرحالة المغربي ابن بطوطة بلاد اليمن وامتدت زيارته إلى مدينة زبيد فأعجب بها ووصفها وصفاً بليغاً أشاد فيه بشمائل أهلها وحسن خلقهم حيث قال:” “زبيد مدينة عظيمة باليمن.. وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها، ولا أغنى من أهلها، واسعة البساتين كثيرة والفواكه من الموز وغيره.. كثيرة العمارة بها النخل والبساتين والمياه، أملح بلاد اليمن وأجملها، ولأهلها لطافة الشمائل وحسن الأخلاق وجمال الصور”.
وقال عنها المستشرق البرتغالي لودفيكو فاريثما الذى قام برحلة حول العالم بين عامي “1503-1509″:” وزبيد مدينة ضخمة وممتازة للغاية، تقع بالقرب من البحر الأحمر إذ لا تبعد عنه أكثر من نصف يوم، كما أن موضعها يمتد امتداداً إزاء البحر الأحمر، ويتم تمويل زبيد عن طريق البحر الأحمر بكميات هائلة من السكر. وتوجد في مدينة زبيد فاكهة ممتازة.