والأهرامات، المقصد السياحي الأبرز مصريا، هي العجيبة الوحيدة الباقية من بين عجائب العالم القديم السبع. والهضبة مسجلة كموقع للتراث العلمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
والطريقان السريعان جزء من دفعة للنهوض بالبنية التحتية في أنحاء مصر يقودها الجيش ويدعمها الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يبني عاصمة جديدة لتخفيف الضغط السكاني عن القاهرة التي يبلغ عدد سكانها 20 مليونا.
ويمر الطريق الشمالي عبر الصحراء على بعد 2.5 كيلومتر جنوب الأهرامات بينما يمر الطريق الجنوبي بين هرم سقارة المدرج، أحد أقدم أهرامات سقارة، ومنطقة دهشور التي تضم هرم سنفرو المائل والهرم الأحمر.
ويتسع كل منهما لنحو ثماني حارات مرورية.
ويقول منتقدون إن الطريقين يمكن أن يتسببا في ضرر لا يمكن تداركه لأحد أكثر المواقع الأثرية أهمية بالعالم. وتقول السلطات إنها ستشق الطريقين بحرص وإنهما سيحسنان خطوط النقل ويصلان المناطق العمرانية الجديدة ويتجاوزان الزحام المروري للقاهرة.
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري “الطريقان هامان للغاية للتنمية، للمصريين، للداخل المصري”. وأضاف “نحن نهتم تماما بمواقعنا الأثرية في جميع أنحاء مصر”.
ويقول بعض المتخصصين في علم المصريات ودعاة الحفاظ على البيئة إن الطريقين السريعين سيهددان سلامة هضبة الأهرامات، ويمران فوق مواقع أثرية لم تكتشف بعد، ويتسببان في تلوث يمكن أن يؤدي لتآكل الآثار، ويخلفان قمامة، ويعرضان المنطقة المغلقة المليئة بالكنوز الأثرية للنهب.
وقال وزيري إن الطرق الحالية أكثر قربا من الأهرامات وتنقل الكثير من الحافلات السياحية. واضاف “لهذا نقوم بتطوير كثير” في إشارة إلى خطط لاستخدام حافلات سياحية تعمل بالكهرباء داخل الهضبة لتجنب التلوث.
* منف
والطريقان اللذان سيقسمان الهضبة إلى ثلاثة أجزاء سيعبران قطاعا من مدينة منف القديمة، إحدى أكبر مدن العالم وأكثرها تأثيرا لنحو 3000 عام.
وقال سعيد ذو الفقار المسؤول البارز السابق باليونسكو والذي زار جزءا من الطريق السريع الجنوبي قبل شهرين “اندهشت مما رأيته”. وأضاف “كل ما قمت به من عمل على مدى 25 عاما أصبح الآن محل تساؤل”.
وقاد ذو الفقار حملة ناجحة في منتصف التسعينات لوقف بناء الطريق الشمالي، وهو أحد امتدادات أول طريق دائري بالقاهرة. وقالت اليونسكو إنها طلبت أكثر من مرة معلومات تفصيلية عن الخطة الجديدة وطلبت إرسال بعثة مراقبة.
وأحال المركز الصحفي المعني بالتعامل مع الإعلام الأجنبي في مصر طلبا من رويترز للتعليق عن الخطط إلى مستشار إعلامي لوزارة السياحة والآثار، لم يتسن الوصول إليه.
وقال متخصصون في علم المصريات وأظهرت صور لبرنامج جوجل إيرث أن العمل بدأ منذ أكثر من عام في مناطق صحراوية بعيدة بشكل كبير عن الأماكن العامة وأصبح أكثر وضوحا بحلول مارس آذار.
وفي زيارة حديثة رأى صحفيون من رويترز معدات ثقيلة تمهد الحقول وجسور تبنى وتقاطعات على كلا الطريقين السريعين. وتراكمت على الأرض مئات من أشجار النخيل التي اقتلعت من جذورها.
والطريق السريع الجنوبي جزء من الطريق الدائري الثاني بالقاهرة الذي سيصل مدينة الإنتاج الإعلامي في السادس من أكتوبر مع العاصمة الإدارية الجديدة شرقي القاهرة عبر 16 كيلومترا في الصحراء فوق هضبة الأهرامات وأراض زراعية وزاوية من منف.
وفي 2014 قدر البنك الدولي أن الازدحام في منطقة القاهرة الكبرى يقضي على 3.6 بالمئة من الناتج المصري.
وقال عالم مصريات خبير بالمنطقة “الطريق يمر عبر مقابر أثرية لم تكتشف بعد للأسرة الثالثة عشرة التي لا توجد معلومات كثيرة عنها، وعلى بعد خطوات من هرم بيبي الثاني وهرم خنجر ومصطبة فرعون”.
وكان هذا الرجل من بين ستة خبراء بالمصريات تحدثوا إلى رويترز. ومعظمهم رفض نشر اسمه خوفا من فقد تصريحه بالعمل في مجال الآثار.
وقال أحدهم إن تماثيل أثرية وبلوكات حجرية منقوشة بالهيروغليفية بدأت تظهر منذ بدء العمل في الطريق السريع، وقالت وزارة الآثار عبر صفحتها بموقع فيسبوك إن هذه القطع عثر عليها داخل قطعة أرض يمتلكها أحد المواطنين أثناء إقامة أحد المشاريع بالمنطقة.
ومنف، التي يعتقد أنها تأسست قبل نحو 3000 عام قبل الميلاد عندما كانت مصر موحدة، خبا نجمها لكنها لم تهجر عندما نقل الإسكندر الأكبر العاصمة إلى الإسكندرية في 331 قبل الميلاد.
وتمتد على مساحة أكثر من ستة كيلومترات مربعة كأكبر مدينة مأهولة أقيمت قديما في وادي النيل.
وقال عالم المصريات البريطاني ديفيد جيفريس الذي يعمل في منف منذ 1981 وشارك في بعثة لجمعية استكشاف مصر إن الطريق الجديد حاليا يقترب من المناطق التجارية للمدينة القديمة وجدران ميناءها والموقع السابق لمقياس قديم للنيل كان يستخدم لقياس الفيضان السنوي.
كما يهدد جدارا رومانيا كان ذات يوم ملاصقا للنيل ويقول جيفريس إن قليلين يعلمون بشأنه.
وقال عالم مصريات آخر “طالما تعرضت منف للإهمال، حتى من علماء المصريات، لأنها موقع معقد للاستكشاف” وأضاف “لكن غني للغاية، مليء بالمعابد والمحفوظات والمباني الإدارية والمناطق الصناعية”.