جاءت موافقة لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو باعتماد منطقة جده التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي، لاحتلال مدينة جدة إلتي يعود تاريخها الى عصر ما قبل الإسلام، مكانة هامة عبر الحضارات المختلفة، والتي شهدت في بدايات العصر الإسلامي نقطة تحول كبيرة عندما اتخذها الخليفة الراشد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ميناءً لمكة المكرمة في عام 26 هـ/ 647 م، ومن تلك الفترة اكتسبت مدينة جدة بعدها التاريخ الإسلامي الذي جعلها واحدة من أهم المدن الواقعة على سواحل البحر الأحمر، وبوابة للحرمين الشريفين.
اهتمام الدولة بجدة التاريخية
أبدت المملكة العربية السعودية اهتماماً كبيرًا بالمواقع الأثرية والتراثية التي تعزز العمق التاريخي والحضاري للمملكة، وقد جاءت منطقة جدة التاريخية من بين أهم ثلاثة مواقع وضعتها المملكة على قائمة اهتمامها، لتكون في مقدمة مواقع التراث الوطني السعودي المرشحة للتسجيل في قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو، حيث صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 5455/م ب وتاريخ 19/7/1427هـ، بالموافقة على تسجيل ثلاثة مواقع تاريخية في المملكة ضمن قائمة التراث العالمي، وهي (مدائن صالح، والدرعية التاريخية، وجدة التاريخية)، بناءً على برقية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام ـ رحمه الله ـ رقم 1/2/4/1943 وتاريخ 4/5/1427هـ، المبنية على اقتراح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز الأمين العام للهيئة العليا للسياحة ( قبل تغيير مسماها إلى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني) تسجيل هذه المواقع الثلاثة ضمن قائمة التراث العالمي، وكانت الهيئة قبل صدور الموافقة الكريمة بنحو عامين بدأت العمل مع أمانة محافظة جدة على تحويل هذا الاهتمام الذي توليه القيادة لمنطقة جدة التاريخية إلى خطط عمل ومشروعات هدفها الرئيس المحافظة على المنطقة التاريخية في جدة لتظل قلبها التاريخي الحي من خلال إعداد مخطط ونظام للبناء يحافظ على الطابع التاريخي للمنطقة، والعمل على تصنيف المباني التاريخية فيها، ورصف شوارعها بالحجر، وإنارتها بالفوانيس التقليدية، فتأسست على إثر ذلك إدارة لحماية جدة التاريخية وصيانة المباني التراثية فيها، ثم تم إطلاق مشروع الملك عبدالعزيز لتنمية وتطوير جدة التاريخية عام 1425هـ، وتشكيل إدارة لتتولى تنمية وتطوير جدة التاريخية عبر خطة عمل أولية تمتد من عام (1425هـ إلى1430هـ)، كما تم تفعيل بلدية جدة التاريخية، وتكليف كادر متخصص بأعمالها، وإعداد واعتماد مخططات لتطويرها، وتحديث نظام البناء بما يكفل المحافظة على النسيج العمراني التاريخي والمباني التراثية في المنطقة بشكل مستدام.
مكانة “جدة التاريخية” لدى القيادة السعودية
تتميز “جدة التاريخية” بمكانة خاصة لدى ولاة الأمر، فقد نزل بها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ في عام 1344هـ، الموافق 1925م، واتخذ من بيت نصيف سكناً له، كما اتخذ مجلساً ومُصلَّىً بجوار مسجد الحنفي. وتوالت الرعاية الكريمة من الدولة خلال عهد الملك سعود، وعهد الملك فيصل ـ رحمهما الله ـ وتم تأسيس شبكات الخدمات بجميع أنواعها وإنشاء المرافق الحكومية وإصدار نظام الآثار عام 1392هـ الذي كفل الحفاظ على جدة التاريخية لاحقاً. وخلال عهد الملك خالد وعهد الملك فهد ـ رحمهما الله ـ قامت الدولة ـ رعاها الله ـ عبر مخططات مدروسة بتنفيذ مشاريع عدة توجت بمشروع ضخم بميزانية تجاوزت 80 مليون ريال لرصف وإنارة جدة التاريخية بأسلوب يتماشى مع قيمتها التاريخية والحفاظ على مبانيها التراثية ونسيجها العمراني التاريخي. كما قدم عدد من أمراء منطقة مكة المكرمة السابقين ومنهم أصحاب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز، والأمير عبد المجيد بن عبدالعزيز ـ رحمهما الله ـ تبرعات شخصية لمشاريع ترميم للمباني التراثية بجدة التاريخية.
واستمر اهتمام الحكومة بمنطقة جدة التاريخية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز وعلى أعلى المستويات بدءًا من خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد. وتجسد هذا الاهتمام بتشكيل اللجنة العليا لتطوير جدة التاريخية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة سابقًا وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة حالياً، ونائب اللجنة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الرئيس العام للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني و التي تعمل للارتقاء بواقع المنطقة المتردي، ومن ذلك تأسيس شركة لتطوير جدة التاريخية، كما انبثقت عنها لجنة تنفيذية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة وعضوية معالي الدكتور هاني أبو راس أمين المحافظة، مما انعكس إيجابياً في الاعتمادات المالية المتزايدة لمشاريع جدة التاريخية التي تهدف إلى المحافظة على المنطقة وتنميتها وجعلها منطقة عمرانية جذابة تحافظ على قيمتها الحضارية والتراثية بصفة مستدامة وتكون صالحة للعمل والسكن والترفيه، وأيضاً اعتماد السياسات التي تكفل ذلك مثل اعتماد مبدأ الاستدامة في التطوير مع إعطاء الأولوية الى إشراك الملاك والسكان، وتوفير الآليات والميزانيات اللازمة للمحافظة على جدة التاريخية وتنميتها، ودمجها في محيطها العمراني، وجعلها مركزاً ثقافياً وحضارياً على المستوى المحلي والوطني والعالمي، ولتحفيز الجهود الداعمة لتطوير “جدة التاريخية” قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ تبرعاً كريماً لترميم مسجدي الجامع القديم (الشافعي) و(المعمار) بجدة التاريخية لتأكيد رسالة القيادة السعودية في المحافظة على التراث الوطني للمملكة.
جهود الدولة ممثلة في إمارة منطقة مكة المكرمة وأمانة جدة في المحافظة على جدة التاريخية وتطويرها
تهدف جهود الدولة ـ رعاها الله ـ إلى تنمية وتطوير جدة التاريخية عمرانياً واقتصادياً بما يحافظ على هويتها، ويتلاءم مع متطلبات العصر، ويكفل المحافظة عليها كتراث وطني، وتتلخص جهود الدولة في الحفاظ على المباني التراثية بجدة التاريخية في التالي:
تأسيس بلدية جدة التاريخية عام 1397هـ (1977م)، وإعداد مخطط عام وتفصيلي للحفاظ على جدة التاريخية وتطويرها وتصنيف مبانيها التراثية ونسيجها العمراني التاريخي من قبل استشاري عالمي في الفترة 1399-1400هـ (1978-1979).
تنفيذ مشروع رصف وإنارة جدة التاريخية بالحجر البازلتي والجرانيت (100 ألف متر مربع) وتركيب أكثر من 750 عامود إنارة تقليدية عام 1401-1404هـ (1980-1983)، وترميم عدد من المباني التراثية وإعادة بناء بوابات المدينة القديمة بباب مكة وباب جديد.
تأسيس إدارة حماية جدة التاريخية عام 1413هـ لحماية المباني التراثية من الهدم ومنع التعديات عليها.
تأسيس مشروع الأمير ماجد بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ للعناية بجدة التاريخية من خلال (صندوق البلدية) وترميم بيت نصيف وتحويله لمتحف و الكشف عن عين فرج يسر، وأجزاء من مسار السور القديم لجدة التاريخية، وإعادة البناء، والترميم الجزئي لعدد 12 مبنى، وتوظيف عدد من المعلمين والعمالة المدربة لذلك.
ترميم بيت البلد وبناء جزء جديد مرتبط به (المجلس البلدي)، وتحويله لمكاتب ومتحف عام1423هـ (2003 م).
البدء بمشروع الملك عبد العزيز للمحافظة على جدة التاريخية عام 1425هـ (2005م)، واعتماد سياسات التعامل مع المباني التراثية، وتأسيس إدارة التطوير العمراني بجدة التاريخية وتزويدها بـ 15 موظفاً، وقد شكلت نواة لبلدية جدة التاريخية الحالية، وترميم بيت البنط.
إعداد مرجَع ودليل لترميم المباني التراثية وواجهات المحلات التجارية عام 1428هـ (2008 م) من قبل استشاري عالمي.
ترميم المباني التراثية بمجمع بلدية جدة التاريخية عام 1429هـ (2009 م).
تشكيل لجنة عليا لمشروع إطفاء الحريق بجدة التاريخية برئاسة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة، ولجنة تنفيذية برئاسة صاحب السمو الملكي محافظ جدة
تنفيذ المرحلة الأولى من شبكة إطفاء الحريق عام 2011 م.
صيانة ورصف وإنارة المحاور الرئيسة بجدة التاريخية في الفترة ما بين 2010 -2013 م.
التعاقد مع استشاري عام 2013 لتقديم الدعم الفني لبلدية جدة التاريخية.
التعاقد لترميم وصيانة المباني التراثية لأمانة محافظة جدة عام 2013م.
التعاقد لصيانة وتركيب أعمدة إنارة تقليدية عام 2013م.
اعتماد مالي لنظافة وصيانة بجدة التاريخية منذ 1984م.
اعتماد ميزانية إجمالية بقيمة 220 مليون ريال لمشاريع جدة التاريخية على أن يتم صرف 50 مليون ريال سنوياً ابتداء من عام 1434هـ قابلة للزيادة.
تقديم تسهيلات قروض من بنك التسليف الحكومي لترميم المباني التراثية بجدة التاريخية، وتحويلها لمشاريع استثمارية من قبل ملاكها بواقع 7 مليون ريال للمشروع الواحد.
تشكيل لجنة عليا لجدة التاريخية برئاسة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة.
تشكيل لجنة تنفيذية برئاسة صاحب السمو الملكي محافظ جدة، وفنية برئاسة معالي أمين محافظة جدة، بالإضافة إلى فرق عمل ميدانية من عدة جهات.
عقد عدة ورش عمل بمشاركة خبراء دوليين لمناقشة أفضل السبل للمحافظة على الموقع وإعادة تأهيله.
العمل على تسجيل “جدة التاريخية” في قائمة التراث العالمي في اليونيسكو
بعد تسجيل موقعي (الحجر بمدائن صالح، وحي الطريف بالدرعية التاريخية)، إنفاذاً لقرار مجلس الموقر رقم 5455/م ب وتاريخ 19/7/1427هـ، بالموافقة على تسجيل ثلاثة مواقع تاريخية في المملكة ضمن قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو، وهي (مدائن صالح، والدرعية القديمة، وجدة التاريخية)، عملت الهيئة بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية على إعداد ملف خاص لتسجيل «جدة التاريخية»، ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو، حيث استكملت الهيئة بالتنسيق مع أمانة محافظة جدة، وجميع الجهات ذات العلاقة ملف ترشيح جدة التاريخية، وتم تقديمه لليونسكو في يناير 2013م، وتنص الإجراءات المعمول بها في المنظمة على إحالة الملف بعد القبول الشكلي له إلى المجلس الدولي للمعالم والمواقع (الأيكوموس) للتأكد من استحقاق الموقع للتسجيل ضمن قائمة التراث العالمي، ومن ثم تأتي بعدها المرحلة النهائية للتسجيل والمتمثلة في التصويت على الموقع خلال اجتماع لجنة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
وقد تم بالفعل إدراج ملف جدة التاريخية للتصويت عليه من قبل لجنة التراث العالمي خلال دورتها الثامنة والثلاثين التي عقدت في دولة قطر في يونيو 2014م ، حيث تم اعتمادها ضمن قائمة التراث العالمي بتاريخ السبت 23 شعبان 1435هـ الموافق 21 يونيو 2014م.