تقودنا الصدفة أحيانا لاكتشاف مواقع سياحية رائعة بين قمم الجبال و الغابات الكثيفة ووسط المياه المتدفقة في صورة رومانسية ذات طبيعة احتفالية لم تساهم وسائل الإعلام – بما فيه الكفاية – في التعريف بها وبالتالي إغراء السائح الوطني أو الأجنبي لزيارتها والتملي بعظمة الخالق سبحانه الذي جعل لنا مما خلق ظلالا وجعل لنا الجبال أكنانا .
شمال سلسلة جبال الأطلس المتوسط , و على علو قدره 1980 م من سطح البحر ينتصب جبل تازكة شامخا يحرس منتزها تفوق مساحته 12000 هكتارا من الأشجار الغابوية المتنوعة أهمها شجر الأرز والبلوط الفليني وتتخلله انهارا ووديانا وشلالات متدفقة ومغارات وكهوف تحمل بصمات الإنسان القديم الذي سكن هاته المناطق و خبر شعابها وتكيف مع مناخها وتضاريسها واصطاد حيوانها في صراع من اجل البقاء كما تقتضي قوانين الطبيعة وحياة البراري .
الطريق إلى منتزه تازكة معبد وسالك , فالقادم من فاس صوب تازة عبر الطريق الوطنية سيجد مركزا اسمه سيدي عبد الله غياث ومن هنا يتم تغيير الاتجاه يسارا كما تدل على ذلك العلامة الطريقية في اتجاه باب بودير حوالي 46 كلم , ورغم ضيق الطريق نسبيا فان مرورها وسط الصخور والبساتين و السواقي والأشجار الخضراء الباسقة تجعل الرحلة شيقة وممتعة , يخيل للمرء بأنه في رحلة صعود إلى السماء وينتابه شعور خاص لا يعرفه إلا من عاش التجربة .
الوصول إلى باحة استراحة بمدخل منتزه تازكة فرصة لأخذ قسط من الراحة تحت ظلال
أشجار الفلين الوارفة , و بمركز المياه والغابات يمكن الحصول على معلومات ضافية حول تاريخ المنتزه وأهدافه و نشأة المحمية و استراتيجة التنمية الغابوية بالمنطقة .
إحداث هذا المنتزه الوطني يرجع إلى سنة 1950 , هدفه الأصلي كان حماية الموارد الطبيعية الموجودة بقمة جبل تازكة خاصة نوع متميز من أشجار الأرز تسمى ( سيدرس اطلنتكا ) , بعد ذلك جرى توسيع مساحة المنتزه تدريجيا لتضاف إليه اختصاصات أخرى منها إعادة استيطان بعض الحيوانات التي كانت في طريقها للانقراض وهي ” الاروية ” و ” الأيائل ” باعتبارها حيوانات نقية الأصول والسلالة . ولم نتمكن من معاينتها لعدمتوغلنا في الغابة ولكونها تتخذ الاحتياطات اللازمة للابتعاد عن العيون الآدمية المتربصة , وهذه البادرة محمودة لان كثيرا من الحيوانات التي كانت تعيش بغابات الأطلس المتوسط كالأسد والفهد لم يعد لها وجود إلا في حديقة الحيوانات وذلك بسبب تضافر عدة عوامل طبيعية و بشرية ساهمت في أن تصبح هذه الحيوانات مجرد ذكرى لدى كبار السن الذين لا زالوا على قيد الحياة .
للمنتزه اليوم أهدافا سياحية فرضتها جمالية الطبيعة والغابات الكثيفة والمناظر الساحرة التي تبدو من الأعلى كلوحة فنية رسمت بريشة فنان مبدع, تطل على ممر تازة و جبال الأطلس و الريف والهضاب المجاورة التي تكسوها الثلوج في الفترة الشتوية , وغير بعيد تلوح في الأفق قمة جبل بويبلان وهي ترتدي حلة بيضاء كعادتها صيفا وشتاءا .
في الجانب العلمي يعتبر المنتزه مختبرا للأبحاث الايكولوجية والجينية حول التنوع النباتي والحيواني والنظام البيئي و من هنا تتوالى الزيارات الميدانية للطلبة والباحثين ولهذه الغاية انشأ به مركز للرصد والمراقبة .
يدخل المنتزه الوطني تازكة في مدار سياحي جذاب انطلاقا من تازة مرورا بمغارة افري واطو وسيدي مجبر وباب بودير وهو مركز اصطياف يتوفر على مخيم جماعي ومسبح عمومي ومطاعم ومقاهي وبعض المرافق الضرورية, ثم جبل تازكة الذي يتوج هاته الجولة السياحية , أما من أراد التمتع بجمال الطبيعة والهواء العليل الصافي وممارسة هواية المشي لمسافات طويلة وسط الغابات والشلالات والوديان ولما لا الاستغوار إذا كان من محبي المغامرات , فعددالمغارات بإقليم تازة يقارب 120مغارة حتى سميت تازة بعاصمة المغاوير , وتكونت جمعيات تهتم بهذا الميدان , فان يوم واحد غير كاف لذلك , وقد شيدت ماوي سياحية من طرف أبناء المنطقة الامازيغ لضمان الإقامة و توفير الخدمات اللازمة لعشاق الطبيعة و المستكشفين والمغامرين مغاربة وأجانب وعددهم في ازدياد .
