مع شروق الشمس، حمل موسه داتي البالغ من العمر51 عاما، لحافا وبعض الملابس، ونظر خلفه مودعا داره القديمة التي كانت قائمة لأكثر من 100 سنة والتي تقع على ارتفاع 1700 متر فوق مستوى البحر، حيث حان الوقت لإعادة توطينه مع زوجته إلى بيت جديد بالبلدة التي تبعد عنهم 65 كم.
وخلال الفترة بين 12 و14 مايو الجاري، ينتقل 344 شخصا من 84 أسرة في قرية آتولير التي يطلق عليها “قرية على الجرف”، إلى بلدة في محافظة تشاوجيوي بولاية ليانغشان ذاتية الحكم لقومية يي الواقعة بين الجبال المرتفعة بمقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين، حيث ينضمون إلى 18 ألف شخص معاد توطينهم هناك من 91 قرية جبلية نائية أخرى، ليعانقوا حياتهم الجديدة البعيدة عن الجرف الخطير وبراثن الفقر.
ويعد مشروع إعادة التوطين هذا ضمن الإجراءات الحاسمة لجهود الصين في تحقيق هدفها للحد من الفقر المدقع بحلول نهاية عام 2020 الجاري، حيث أظهرت البيانات الرسمية في هذا الإطار أن الصين أعادت توطين نحو 10 ملايين نسمة فقيرة في السنوات الخمس الماضية، كانوا يعيشون في المناطق الجبلية التي يصعب الوصول إليها بالمواصلات أو في المناطق شديدة الارتفاع أو الباردة للغاية أو التي بها أمراض محلية.
وتقع قرية آتولير على جبل مرتفع، وكان الطريق الوحيد إلى الخارج سُلّما متواضعا مصنوعا من الخشب ونباتات الكرمة، حيث يضطر أهل القرية إلى أن يتسلقوا السلم غير الثابت للنزول إلى أسفل الجرف الذي يبلغ ارتفاعه نحو ألف متر، ليصلوا إلى أقرب طريق للسيارات لقضاء حاجاتهم اليومية مثل الذهاب إلى المدرسة والمستشفى والسوق.
وبسبب الخطر الذي يشكله السلم، لم يسمح موسه داتي لابنته أن تذهب إلى المدرسة تحت الجرف حتى بلغت 11 عاما من عمرها. وكان شراء حقيبة من الملح من محل تحت الجرف والعودة يستغرق من موسه داتي نصف يوم.
وكان ومازال التنقل أكبر عائق بين أهل القرية وحصولهم على حياتهم.
ولفتت قرية آتولير انتباه الناس قبل أربعة سنين، حيث التقطت صورة لمجموعة من الطلاب وهم يتسلقون السلم نزولا للذهاب إلى المدرسة.
ولإزالة المخاطر الكامنة في السلم الخشبي، ضخت الحكومة المحلية مليون يوان (حوالي 141 آلاف دولار أمريكي) لتحديث السلم الخشبي إلى سلم حديدي بعرض 1.5 متر وبطول 2.8 كم، وتم نقل مواد البناء التي تتضمن أكثر من 6000 أنبوب صلب بوزن 120 طن، إلى أعلى الجرف على أكتاف القرويين.
وخلال آخر سنتين، تم تغطية القرية بشبكة الاتصال اللاسلكية وشبكة الجيل الخامس مع إمكانية البث الحي لمشاهد القرية من خلال الكاميرات الثابتة المركبة فيها.
ومع تحسن الظروف، تعاقب الزوار إلى القرية، كما تزوج عدة من شباب القرية من فتيات من الخارج.
ولكن الانتقال ما زالت مشكلة صعبة لأن المشي على السلم الصلب فوق الجرف لا يزال خطيرا إلى حد كبير، الأمر الذي دفع الحكومة المحلية لمساعدة القرويين في الانتقال إلى مكان يسهل الوصول إليه.
وقال وو جيون تشيان أستاذ مساعد في جامعة جنوب غرب الصين للمالية والاقتصاد، إن “إعادة التوطين يوفر فرصا أكثر لتخفيف الفقر ويساهم في تقليص الفجوة بين المناطق الفقيرة والغنية لكي يستفيد أهل القرية بالتنمية الاقتصادية من جانب، ومن جانب آخر، جلب إعادة التوطين تغيرات لحياة أهل القرية وهو ما يحتاج إلى وقت للتأقلم عليها وبعدها الاندماج”.
ويقع بيت موسه داتي الجديد في مبنى من ست طوابق ويبلغ مساحته 100 متر مربع، وهو ما كلفه 10 آلاف يوان (حوالي 1.41 ألف دولار أمريكي) فقط وتم تغطية الباقي بالدعم الحكومي. وبعد حصوله على مفتاح مسكنه الجديد، استلم خزانة للثياب ودولاب للأطباق ومائدة ومجموعة من الكراسي وسريرين مجانا من السلطات المحلية.
وستعمل السلطات المحلية على تنظيم ترتيبات مهنية معنية للأسر الفقيرة حسب حاجاتهم وتوفير القروض التفضيلية بعد إثباتهم في البيوت الجديدة، بينما تركز على تطوير الزراعة المتخصصة في آراضيهم القديمة مع الاستثمار في قطاع المعالجة المعنية للتحفيز على الارتقاء بالزراعة المحلية.
ويخطط موسه داتي أن يستأجر أرضا في القرية القديمة لفتح فندق صغير ويديره مع زوجته في المستقبل القريب.
وقد زار قرية آتولير نحو 100 ألف سائح في العام الماضي، بينما حقق أهل القرية إيرادات بقيمة نحو مليون يوان من خلال الاستقبال السياحي وبيع العسل الطبيعي وغيره من المنتجات الزراعية الخاصة.
وفي آخر مسح، بلغ متوسط الدخل الفردي السنوي لأهل “قرية على الجرف” نحو 9000 يوان (1268 دولارا أمريكيا)، بينما وصل متوسط الدخل الفردي السنوي للأسر الفقيرة الـ84 في القرية إلى ما يزيد عن 6000 يوان (846 دولارا أمريكيا)، وهو أعلى من خط الفقر المحلي بشكل كبير.
تشنغدو 14 مايو 2020 (شينخوا)