يقع الأكروبوليس المعبد اليوناني القديم، على أعلى قمة تل في العاصمة اليونانية أثينا. وكان المركز الديني والعسكري – لدولة المدينة – في اليونان القديمة، حيث كان الإغريق عادة يقومون بتحصين جبل يسمى أكروبوليس داخل المدينة أو بالقرب منها بغرض الدفاع. ومصطلح «الأكروبوليس» مصطلح إغريقي مؤلف من كلمتين أكروس ومعناها مرتفع عن الأرض، و«بوليس» وتعني مدينة أو دويلة مدينة. وهو واحد من أبرز المعالم التي كان يجب أن تضمها أي دويلة أو مدينة إغريقية في العصر الكلاسيكي (القرن الثامن إلى الخامس قبل الميلاد).
وكما يدل عليه الاسم (المدينة المرتفعة) أو (المدينة الجانبية) فكان الأكروبوليس أيضا مركز المدينة السياسي والروحي والمالي، بما يتضمنه من منشآت حكومية ومعابد ومذابح، وكانت تحتوي على خزانة الدولة، وكان الشعب يذهب إلى هناك لتخليص المستندات الحكومية.
وتصل ارتفاع قمة معبد الأكروبوليس إلى 156 مترا فوق سطح البحر، و92 مترا فوق مدينة أثينا المنخفضة، وهو حصن طبيعي حقيقي يمكن الوصول إليه فقط من الأرض المنحدرة ناحية الغرب، أما الجوانب الأخرى فتتدلى بانحدار هابط. وبفضل الموقع والأهمية الاستراتيجية للأكروبوليس فكان السكن الأول لملوك أتيكا والحراس، ويحوي كثيرا من التماثيل والأحجار المقدسة، وتحيط بالأكروبوليس أسوار عالية، ويعتبر المعبد اليوناني الأثري الأول، ويحوي صروح ملوك كثيرة، دمرت معظمها من قبل الفرس عام 479 قبل الميلاد وتعهد بارثينون بإعادة ببنائه عام 447 قبل الميلاد.
كما كان معبد الأكروبوليس مسجدا كبيرا، تحيطه المآذن في عهد الدولة العثمانية، حيث استطاع الأتراك أن يستولوا عليه عام 1394 وأحيط بالمآذن وتحول معبد بارثينون إلى مسجد. وفي 1686 دمر الأتراك معبد أثينا لكي يبنوا ساترا دفاعيا لحمايتهم من الأعداء الذين وجهوا لهم قذيفة نسفت بارثينون وحولته إلى مخزن بارود، كما كان الأكروبوليس في عصر الصليبيين مقرا لرئيس أساقفة أثينا.
وبدأت الثورة اليونانية عام 1821 وبعد كفاح لمدة سنة تقريبا، استولى أوديسيس أندروتسوس على الأكروبوليس، ومن عام 1833 وقع المعبد تحت السيطرة اليونانية وحتى اليوم يمثل أعلى موقع أثري فني يوناني، وتجري اليونان فيه باستمرار عمليات ترميم وتجديد، ويزوره يوميا الآلاف من السياح الذين يأتون إليه من جميع أنحاء العالم.
وتزخر أثينا عاصمة اليونان، التي تتمتع بجمال وطبيعة ساحرة هادئة بكثير من المعالم السياحية والتاريخية التي تتجلى فيها روعة الفن المعماري القديم، جنبا إلى جنب مع مظاهر الحياة العصرية، والأكروبوليس من أشهر هذه المعالم، ويعتبر أكبر شاهد على الحضارة الإغريقية.
ومن المعروف أن معبد الأكروبوليس كان في الغالب مكان إقامة أو قصر للملك، كما كان يستخدم قلعة عسكرية وموقعا يلجأ إليه سكان المدينة في حالات الطوارئ، وكانت تشيد فيه أهم المعابد، وهو يضم ضرائح الآلهة اليونانية.
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال توغانيديس نيكولاس رئيس مشروع ترميم معبد الأكروبوليس: «مشروع إعادة ترميم معبد البارثينون بدأ منذ 25 سنة، أحضرنا المعدات اللازمة وآلات الرفع وجمعنا كل القطع الأثرية المرمرية التي كانت متناثرة وملقاة حول الأكروبوليس وتعرفنا على أماكنها الأصلية، وسوف يتم إعادتها وفقا لبرنامج الترميم والذي سيستمر 15 سنه أخرى». وأضاف: «أثناء الحرب بين الأتراك والإيطاليين في نهاية القرن السابع عشر تم استهداف القيادة في الأكروبوليس وتدمير المعبد وسقوط سقفه وتناثر القطع الأثرية في كل مكان حوله».
أما السائح فامبيو راندي الإيطالي الذي كان في زيارة فوق تل الأكروبوليس، فقد ذكر: «قمنا بجولة حول الأكروبوليس، إنه لشيء عجيب وممتع، أنا سمعت كثيرا عنه ولذلك جئت إلى هنا لأشاهده من قريب وعندما صعدت إلى المعبد وجدته جميلا جدا وخصوصا أنك تشاهد كل مدينة أثينا من أعلى، وبالطبع سوف أعود إلى هنا مرة أخرى وسوف أعرض على أصدقائي القدوم إلى هنا، حقيقة أقول لكل شخص أن يأتي إلى هنا لمشاهدة ذلك».
وموقع إنشاء معبد الأكروبوليس له دلالة عقائدية، فهو بني فوق صخرة تعرف باسم «الصخرة المقدسة» في أثينا، وكان الأكروبوليس يشع القوة والحماية لمواطنيه، وقد أصبحت معابد الأكروبوليس من أشهر المعالم المعمارية في التاريخ القديم والمعاصر. بالإضافة إلى ذلك فإن معبد البارثينون يعتبر الآن أحد الرموز العالمية التي تشير إلى الحضارة الإغريقية، ويشتمل شعار منظمة اليونسكو على صورة لهذا المعبد، حيث يمثل الثقافة والتعليم، وذلك بعد أن أضيف الموقع عام 1987 إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وبالإشارة إلى الرسم التخطيطي لمعبد بارثينون الذي يقبع فوق التل، فقد أقيم على قاعدة كبيرة مؤلفة من ثلاث درجات، ارتفاع مجموعها 170سم، وطولها 68.40 مترا وعرضها 30.30 مترا، ويحيط بالقاعدة رواق يحمله صف واحد من الأعمدة المدورة الطراز، عددها في كل من واجهتي المعبد ثمانية، وفي كل من الجانبين سبعة عشر عمودا، ويختلف البارثينون عن غيره من المعابد الإغريقية، باحتوائه على أعمدة داخلية تشارك الأعمدة الخارجية في حمل الإفريز المنحوت عند مقدمته، كما تقسم قاعدة المعبد إلى قسمين، خصص القسم الأكبر لتمثال الإلهة أثينا، في حين خصص لقسم الأصغر لوضع النذور والهدايا.
وبالنسبة لمعبد الإلهة أثينا الذي يقبع على تل الأكروبوليس، فيعتبر أصغر معبد إغريقي على الإطلاق، حمل لقب نيكي ومعناه النصر باليونانية، وهو أحد ألقاب الإلهة أثينا، ويقع على الطرف الجنوبي للتل، وله في كل من واجهتيه رواق محمول على أربعة أعمدة أيونية الطراز، وتم بناؤه تقريبا في عام 426 قبل الميلاد، وأعيد ترميمه في القرن التاسع عشر ميلادي بعدما أثرت فيه عوامل الطبيعة.