إعداد/ محمد عبدالله العرشي –
مديرية تريم ها نحن نقدمها للقارئ الكريم لتأكيد صدق ما ذهبنا إليه بأن اليمن غنية بمدارسها الإسلامية وثرواتها الحضارية على مستوى المحافظات والمديريات والعزل والقرى، وما علينا نحن اليمنيون إلا أن نحافظ على وحدتنا، ونسعى إلى استغلال هذه الثروات بروح الفريق الواحد. فقد أثبتت شواهد التاريخ أن اليمن كيان موحد، عبر تاريخه الطويل، وأن الذين ينادون بالانفصال هم مدفوعون من الجهات التي كانت وراء انفصال جنوب السودان عن شماله، فهل تأملنا ما هو وضع جنوب السودان وشماله حالياً؟. كما أن جغرافية اليمن تؤكد أيضاً أن موارد مياهها تنبع من مصدر واحد، وأن الذين يسعون إلى إعادة التشطير ربما لا يفهمون التاريخ اليمني، ولا جغرافية اليمن الموحد، ولا يسعني إلا أن استشهد بقول المفكر العربي الكبير الأستاذ عبدالباري عطوان – رئيس تحرير صحيفة القدس العربي – في مقال له في هذه الصحيفة الصادرة في لندن، حيث قال:
“لا أدري كيف يراسلني أبناء وأحبة من اليمن ويريدونني أؤيد مطالبهم بانفصال الجنوب ويسمونه دولة الجنوب العربي.. حتى اسم اليمن أسقطوه من الاسم.. لا أدري كيف يريدون مني أن أدعم مطالبهم وأنا أرى حجم المؤامرات على اليمن من كل جانب.. لو سلّمنا وانفصل الجنوب.. إلى أين سيتجه.. هل إلى الخليج وجناح قادته السابقين التي استثماراتهم بالمليارات بالخليج وأبراج دبي تشهد بذلك؟.. أم يتجهون إلى إيران وهي تجعل اليمن الآن نصب عينها وتعتبرها البوابة الجنوبية والممر الآمن للوصول إلى قلب الجزيرة العربية وبسط نفوذها.. خاصة وأن جناحاً منهم الآن مدعوم وبقوة من إيران وقناتين فضائيتين تدار بأموال إيرانية وبرامج إيرانية؟…”
أخي القارئ الكريم …
مدينة تـريـم: هي من أقدم المدن اليمنية، وقد أسسها تريم بن حضرموت بن سبأ الأصغر في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد اختلف المؤرخون عن سبب تسميتها باسم تريم، فبعضهم يقول إنها تسميت باسم قبيلة من قبائل حضرموت، وبعضهم يقول أن تسميتها باسم (تريم) وهو أحد أولاد سباء الأصغر والذين تفرقوا بعد خراب السد، بدليل التشابه بين اسم مدينة تريم واسم مدينة يريم (بالياء)، وهي مدينة في محافظة إب، وتنسب إلى القيل الحميري يريم بن أيمن بن ذي رعيل، وتبعد تريم عن مدينة سيئون بحوالي 34 كم، وعن مدينة المكلا 356كم، وقد ذكرت في النقش الموسوم (32 أرياني) ومساحتها 2.325 كم2، ولقد أسهم موقعها الهام في وادي حضرموت في شهرتها قبل الإسلام كمركز تجاري، حيث كانت تصل إليها القوافل التجارية من المناطق الأخرى في محافظة حضرموت محملة بالبخور واللبان وتقوم بتخزينها، ثم تقوم بإعادة تصديرها عبر طريق البخور، الذي كانت تسير فيه القوافل من حضرموت محملة بالبخور واللبان وتسير به شمالاً، حيث تخترق رمال الدهنا إلى نجد ثم الحجاز، ثم يقوم باستلامها التجار الأنباط ويذهبون بها إلى البتراء، ثم يتم تصديرها إلى مصر وفلسطين وغزة وصور، ثم إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، كما أن طريق البخور ارتبط أيضاً بالمحيط الهندي وبالبحر الأبيض المتوسط براً عن طريق ظفار ووادي حضرموت إلى شبوة، ويقع في تريم حصن العر، وهو حصن أثري قديم من قبل الإسلام، ويعتبر من المواقع الأثرية الهامة، والذي يحتوي على العديد من القطع الحجرية الأثرية المزخرفة بالرسوم النادرة، ويعتقد الباحثون أن ما يوجد في الحصن من قطع أثرية هي بقايا لمعبد قديم، ويوجد في هذا الحصن صهريج للماء وبئر، ولم يعرف تاريخهما كما ورد في نتائج المسح السياحي للفترة 1996ـــ1999م، وقد ورد في كتاب (المفصل) للمؤرخ جواد علي أنه يوجد على مقربة من تريم خرائب قديمة ينسبها الناس إلى عاد، وتشمل على آثار معبد، وطريق يوصل إليه؛ حيث بني هذا المعبد على قمة تل فيه آثار وخرائب لبيوت وأحجار قديمة.
لقد كانت مدينة تريم من أوائل المدن اليمنية التي دخلت في الإسلام؛ حيث قامت حضرموت بإيفاد وفدٍ منها برئاسة الأشعث بن قيس، والذي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة للهجرة، وقد مثل تريم وائل بن حجر في هذا الوفد، ولقد ولى النبي صلى الله عليه وسلم على حضرموت الصحابي زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه وقد اتخذ مدينة تريم مقراً له.
وقد اعتنق أهالي تريم الإسلام عندما عاد وفد حضرموت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة في السنة العاشرة من الهجرة، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم أول عامل على حضرموت من قبله وهو زياد بن لبيد البياضي الأنصاري، وعندما جاءه كتاب الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه قرأه على أهل تريم فبايعوا لأبي بكر الصديق، وارتد نفر من كنده، فقاتلتهم جيوش المسلمين، وكان لأهل تريم ممن ثبتوا على إسلامهم دور في قتال المرتدين، إذ كانت المعركة الفاصلة التي انتصر فيها جيش المسلمين بحصن النجير الواقع شرقي تريم بحوالي 30 كم، وجرح في هذه المعركة عدد من الصحابة فجاءوا إلى تريم للتداوي بها فمات جماعة منهم ودفنوا بمقبرة (زنبل).
وقد عُرفت تريم من بين المدن اليمنية بالأخص، وبين المدن الإسلامية على سبيل العموم بكثرة مساجدها مقارنةً بصغر حجمها، فكان يوجد فيها ثلاثمائة وستون مسجداً، ولكن لم يبق منها الآن إلا مائة وخمسة عشر مسجداً كما حصرها المؤرخ أحمد بن عبد الله شهاب في كتابه (تريم بين الماضي والحاضر) بالرغم من أن مساحة المدينة هي أقل من ثلاثة كيلومترات مربع.
وقد قام الباحث الياباني (كازو هيرو أراي) بدراسة لبعض المعالم المعمارية الدينية في حضرموت، وانتهت بإعداد كتاب عن (قباب حضرموت الدينية”2006م”)، وقد قام الباحث بتصوير ما يربو على مائة قبة أثناء زيارته لمدن حضرموت وخاصة تريم، ولعل أهمية تلك العمارة الدينية في نظر هذا الباحث ليس مجرد بناء هندسي فحسب، بل فيه ما عكسته من مجالات ثقافية متنوعة، وهذا سر اهتمام الكتّاب الأجانب بها.
العلم والعلماء في تريم
تعد مدينة تريم عاصمة وادي حضرموت الدينية، حيث كانت ولا تزال مركزاً يشع منه نور العلم والمعرفة، ومركز إشعاع ديني منذ ظهور الإسلام، وبدأت الرحلات لنشر الدين الإسلامي من هذه الأراضي في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس هجري، حيث هاجر مجموعة منهم إلى الهند وإندونيسيا وسنغافورا والفلبين لذلك الغرض، وكان طلاب العلم يتوافدون من المناطق اليمنية والدول المجاورة والشرق الأقصى وشرق أفريقيا، حيث ساعد على ذلك كثرة علمائها وزواياها العامرة بالتدريس.
ومن أهم مراكزها العلمية القديمة التي لازال نشاطها مستمراً (معلامة أبي مريم لتحفيظ القرآن الكريم) التي أنشئت في القرن الـسادس الهجري، و( رباط تريم العلمي ) الذي افتتح في 14 محرم 1305هـ، ثم أنشئت العديد من المدارس العلمية، وكان منها دار المصطفى للدراسات الإسلامية الذي أصبح معلماً وصرحاً علمياً بارزاً في البلدة.
وتعتبر مدينة تريم من أهم المدن اليمنية والعربية والإسلامية، والتي اشتهرت عبر التاريخ بمدارسها الإسلامية وعلمائها، حتى ذكر أنه كان يوجد في بعض الفترات التاريخية ثلاثمائة مفتي في وقت واحد حسب ما ورد في كتاب (معجم بلدان حضرموت) للمرحوم عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، وقد اشتهرت مدينة تريم بالعديد من الزوايا والمساجد والمعاهد والأربطة العلمية والتي تخرج منها العديد من العلماء والفقهاء عبر العصور الإسلامية، ومن أشهرها:
رباط تريم: يقع هذا الرباط في قلب مدينة تريم، والذي تأسس في عام 1304هـ على يد نخبة من أعيان البلاد، وقد تم افتتاحه في 14 محرم عام 1305هـ وتبرع له أيضاً بعض المحسنين بشراء بعض العقارات، وكان برئاسة مفتي الديار الحضرمية الإمام السيد عبدالرحمن بن محمد بن حسين المشهور مؤلف كتاب (بغية المسترشدين) وكانت تريم تعج بكثرة الفقهاء والعلماء. وكان يدرس في هذا الرباط أشهر علماء حضرموت و تريم، ويلتحق برباط تريم العديد من الطلاب من آسيا وأفريقيا، وقد تخرج منه ما يقرب من ثلاثة عشر ألف طالب، وقد أُغلق هذا الرباط في العهد الشمولي قبل الوحدة وأُعيد فتحه بعد الوحدة المباركة، وقد أدخلت على الرباط العديد من التحسينات.
مدرسة دار المصطفى: وتعتبر أشهر المراكز الإسلامية الآن والتي تأسست عام 1412هـ حيث تخرج منها العشرات من العلماء وقد نالت هذه المدرسة الإسلامية شهرة كبيرة على مستوى اليمن والعالم الإسلامي، ويلتحق بها العديد من الطلاب من الدول الإسلامية ولا سيما من دول شرق آسيا ومن بعض الدول الأوروبية وأمريكا وكندا وأفريقيا. كما يوجد في تريم كلية للشريعة وهي تابعة لجامعة الأحقاف، والتي مركزها مدينة المكلا، ولقد كان إنشاؤها في عام 1996م ويوجد فيها العديد من المدرسين من الدول العربية من الأزهر الشريف والعراق ومن العلماء اليمنيين المتخصصين.
مخطوطات تريم في مكتبة الأحقاف
كما يوجد في مدينة تريم مكتبة الأحقاف، والتي تعتبر من أهم المكتبات اليمنية التي تشتهر بما تحتويه من المخطوطات، والتي تتكون من عدة مجموعات، والتي تنتمي إلى عدد من الأسر العلمية والذي تبرعت بمقتنياتها من المخطوطات لمكتبة الأحقاف، وتتكون من: مجموعة آل جنيد وآل سهيل، ومجموعة الحسيني، ومجموعة الرباط، ومجموعة آل الكاف، ومجموعة أبوبكر الحسيني، ومجموعة عبدالله بن يحيى، ومجموعة عبد الرحمن العيدروس، وقد اشتملت المكتبة على ستة ألف مخطوطة، وتحتوي على العديد من الكتب النفيسة في الحديث والفقه والتاريخ والتفسير والطب والأدب والجغرافيا، وغير ذلك من المجالات العلمية.
وتحتل المكتبة الدور الأرضي من مبنى جامع تريم، فهي مكتبة دعت الحاجة إلى إقامتها نظراً لكثرة المخطوطات في مدينة تريم والمدن المجاورة، وذلك لكون تريم كانت تتمتع بمركز علمي مرموق في وادي حضرموت منذ القرن الرابع الهجري، واشتهرت بوجود المكتبات والأربطة والمعاهد والزوايا العلمية، وكثرة العلماء الأجلاء، وكانت بها مجموعة من العائلات الشهيرة التي شغفت بجمع وشراء المخطوطات والكتب في مختلف ألوان المعرفة والعلوم ومن شتى المصادر من بقاع الأرض، كما توجد عائلات وشخصيات من العلماء في مدن أخرى بالوادي ملكت هي الأخرى مكتبات خاصة ولكنها جعلتها وقفاً على طلبة العلم والعلماء، وبعد أن وضعت بعثة مصرية مختصة بالمخطوطات “عام 1970م” دراسة لتجميع المخطوطات في مكتبة الأحقاف بتريم، التي أنشئت في شهر ديسمبر من عام (1970م)، ولكن هذه الدراسة لم تنشر، وتضم المكتبة حوالي (5300) كتاباً مخطوطاً في شتى المعارف والعلوم (التفـسير، الفـقه، الحديث، الصرف، اللغـة، الأدب، التاريخ، السيرة النبوية، الطب، الرياضيات، الفلك، وغيرها من المعارف والعلوم)، ونتيجة لأن إنشاء مكتبة الأحقاف كان بطريقة جمع المكتبات الخاصة، نجد أن هذه المكتبة تتكون من عدة مكتبات هي: مكتبة الكاف بتريم، مكتبة آل بن يحيى، مكتبة الربـاط، مكتبة بن سهل، مكتـبـة الحسيني، آل الجنيد، وغير ذلك، وحملت كل مكتبة اسم صاحبها كتخليد لذكراه، وكل مكتبة لها فهرس خاص بها، إلا أنه مؤخراً تم فهرست المكتبة بطريقة حديثة، وتحوي المكتبة تحفاً نادرة من المخطوطات القيمة إما لندرتها أو لقدم نسخها وجودته، أو مخطوطات أصلية تعتبر النسخ الأم.
تريم عاصمة للثقافة الاسلامية لعام 2010م
اختارت المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم الإيسيسكو مدينة تريم لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م. واتخذ هذا القرار تنفيذاً لقرارات المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة الذي عقد بالجمهورية الجزائرية في شهر ديسمبر من عام 2004م، والذي تم فيه إقرار إقامة العواصم الثقافية الإسلامية، حيث تم ترشيح عدة مدن إسلامية تمثل المنطقة العربية والآسيوية والإفريقية لتختار منها الايسيسكو ثلاث مدن في كل عام كعاصمة للثقافة الإسلامية. وجاء اختيار مدينة تريم كعاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م لتاريخها الإسلامي الحافل بالعطاء العلمي والفكري ولما تحتويه من معالم معمارية إسلامية بارزة لعل من أشهرها مسجد المحضار المشهور بمئذنته التي يبلغ طولها 150 متراً والمبنية من الطين وبطريقة هندسية مميزة، إلى جانب أربطة العلم التي اشتهرت بها مدينة تريم ومازالت تستقبل كل عام طلاب العلم من شتى بقاع العلم لينهلوا من معينها العملي والروحي الذي لا ينضب.
وقد قامت وزارة الثقافة بإعداد ووضع خطط وبرامج الفعاليات التي اشتهرت بها مدينة تريم إلى جانب وضع البرامج والمشاريع التي ستنفذها من أجل تهيئة مدينة تريم لاحتضان الفعاليات التي ستقام فيها طوال العام 2010م. وأعدت الوزارة تصورات خاصة حول حفل التدشين لفعاليات تريم عاصمة للثقافة الإسلامية لعام2010م، فكان عام تريم عاصمة الثقافة الإسلامية عام مليءٌ بالفعاليات التي أبهرت الحاضرين من اليمن نفسها أو من الدول العربية والإسلامية والأجنبية، فقد ظلت مدينة تريم على مدى العام 2010م، درةٌ وجوهرةٌ تسلب العقول والألباب، أبهرت فعالياتها كل من حضرها. وقد رافق هذه الفعاليات كذلك طباعة العديد من الكتب.. كمحاكاة لما حدث في صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م الذي طبع فيها مئات الكتب..
وقد رجعنا إلى العديد من المراجع عند إعدادنا لهذا المقال ومنها: (صفة جزيرة العرب/ للهمداني)، (معالم الآثار اليمنية/ للمرحوم القاضي حسين السياغي)، ، (الموسوعة اليمنية/الطبعة الثانية)، (تاريخ حضرموت/ تأليف صالح الحامد)، (تريم بين الماضي والحاضر/ تأليف أحمد بن عبدالله بن شهاب)، (حضرموت فصول في التاريخ والثقافة والتراث/ جمعية أصدقاء علي أحمد باكثير – القاهرة)، (معجم بلدان حضرموت المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت/ تأليف السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، تحقيق إبراهيم أحمد المقحفي وعبدالرحمن حسن السقاف)، (بلوغ المرام في من تولى اليمن من ملكٍ وإمام/ للقاضي المرحوم حسين بن أحمد العرشي/ تحقيق الأستاذ محمد محمد عبدالله العرشي)، (الموسوعة السكانية/للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (موقع المركز الوطني للمعلومات على الإنترنت)، (موقع موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت)، ( مجلة الإكليل مجلة فصلية تعنى بتاريخ اليمن الفكري والحضاري تصدرها وزارة الثقافة العدد (41) خريف 2012/)، (كتاب عقد الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر/ تأليف الشيخ الإمام محمد بن ابي بكر بن أحمد الشلي باعلوي/ تحقيق إبراهيم بن أحمد المقحفي/ الطبعة الأولى 2003م/ إصدارات مكتبة الإرشاد، مكتبة تريم الحديثة).