تتجلى في شهر رمضان مظاهر المحبة والإخاء بين الناس، ومن أبرز هذه المظاهر “موائد الرحمن”، والتي تنتشر في جميع أرجاء مصر، حيث يتسابق أهل الخير لنصب موائدهم أمام المحلات والشوارع والميادين العامة، ويستقبلون الفقراء وعابري السبيل، ويدعونهم إلى تناول الإفطار، فتتوحد المشاعر وترتفع الدعوات إلى الله.
وقد صارت “موائد الرحمن” من العادات المستقرة خلال أيام الشهر الفضيل، فقبل لحظة انطلاق مدفع الإفطار بساعة واحدة، يتوافد الصائمون ويجلسون متجاورين إلى الموائد، لا فرق في ذلك بين الأغنياء والفقراء، وهناك موائد كثيرة تنتشر وتتزايد، حيث تحظى القاهرة بآلاف الموائد، وتقام في سرادقات كبيرة تتسع لمئات من الصائمين.
ويذكر التاريخ أن مصر عرفت أشكالا متعددة لـ”موائد الرحمن”، فقد روي أن أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، هو أول من أمر بدعوة أغنياء وحكام الأقاليم في أول يوم من رمضان، ووزعهم على موائد الفقراء والمحتاجين كي ينفقوا عليها، لأنه رأى في الشهر الكريم استثمارا للفضائل والإخاء بين الأغنياء والفقراء.
وفي العصر الفاطمي عرفت “موائد الرحمن” اسم “السماط”، ويروى أن آلاف الموائد كانت تمتد إلى الصائمين غير القادرين، وعابري السبيل، وكان الخليفة العزيز بالله ومن بعده المستنصر بالله يهتمان بموائد الإفطار التي تقام في قصر الذهب للأمراء ورجال الدولة، وكذلك التي تقام في المساجد للفقراء والمساكين. أما في العصر المملوكي، فكان الأمراء الأغنياء يقومون بتجهيز الموائد وإرسالها إلى الفقراء، حيث كانوا يفتحون أبواب التكايا والحانات لاستقبال الفقراء وعابري السبيل، فضلا عن صرف رواتب إضافية للموظفين وطلاب العلم والأيتام، كما ضاعفوا من حصة السكر لزيادة استهلاكه خلال شهر رمضان.
وفي هذا العصر أيضا اهتمت الأوقاف الخيرية بإطعام الفقراء والمساكين، عن طريق “موائد الرحمن”، وتوزيع الطعام المجهز عليهم، والذي كان يشتمل على اللحم والأرز والعسل وحب الرمان، فقد نصت وثيقة وقف السلطان حسن بن قلاوون على أن “يصرف في كل يوم من أيام شهر رمضان ثمن 10 قناطير من لحم الضأن وثمن 40 قنطارا من خبز القرصة وثمن حب الرمان وأرز وعسل وحبوب وتوابل وأجرة من يتولى طبخ ذلك وتفرقته”.
وهكذا توارثت الأجيال ذلك الملمح الرمضاني البارز، حيث صارت “موائد الرحمن” بطابعها التقليدي، تتكرر كل عام