مقالات

الأمير يوسف أغا .. المسجد العريق .. وحكاية الكتّاب المهمل ومحل الأحذية

149

–  المسجد أسس في 1625 م في عهد العثمانيين وكان يطل على الخليج المصري
– صاحب المسجد وضع لنفسه مقبرة قريبة تم نقلها بعد فتح شارع محمد علي
– ملحق بالمسجد كتاب وسبيل ثم أضيف له سبيلان في عهد الملك فاروق
–  العمارة الإسلامية الساحرة .. أحجار ونقوش ومشربيات
– القمامة والحشرات والظلام والأسقف المتهالكة .. في الطريق للكتّاب الأثري!
– محل للأحذية مستأجر بمبنى المسجد العريق!!
– مدير الآثار الإسلامية : الترميم مسئولية الأوقاف .. وحالنا في النازل بعد الثورة
“هو مسجد أسس على التقوى” كما وصفه لنا المشرف عليه من الأوقاف الحاج حمدي العدوي، وقال أن صاحبه الأمير يوسف بن عبدالله والمعروف بـ”الحين” كان من كبار أمراء المماليك الجراكسة في مصر، والذي تولى العديد من المناصب وعرف بميله للأعمال الخيرية ، كما شيد لنفسه قبة ليدفن بالقرب من المسجد إلا أنها هدمت بعد فتح شارع محمد علي وتم نقل رفاته إلى قبر أعد داخل الإيوان الشمالي الشرقي من المسجد  1646م.

ينتصب البناء الشامخ للمسجد بمئذنته التي تشق عنان السماء، على فوهة شارع بورسعيد، ليجذب العين والروح معا، وتشي أحجاره الملونة والحديقة الصغيرة أمامه بماض تتردد أنفاسه بيننا .. ولا طالما جذبت منطقة السيدة زينب والأزهر والحسين المحيطة بالمسجد ألباب المصريين والسائحين باعتبارها حاضنة للمساجد والتكايا والأسبلة العريقة ..

تجذبك في المسجد الذي أسس في 1625م ألوانه الساخنة من حجارة حمراء ونقوش خضراء معرقة بالنحاس وأسقف خشبية تخشع بآيات وتراتيل قرآنية وأدعية المبتهلين تهفو إليها النفس وتدخلها بجنة السكينة خاصة إذا تطلعت لشارع بورسعيد من وراء الشبابيك الضخمة المحلاة بضفائر الخشب .

ويذكر الدكتور أحمد زكي بمرجعه الشهير ” المسالك” أن المسجد له ثلاث واجهات كل منها له بوابته، وقد كان يطل علي الخليج المصري من الناحية الشمالية الغربية ، قبل ردم الخليج، وثبت على النصب التذكاري أن المسجد ألحق به سبيل وكتاب بالواجهة الشمالية وهي تجديدات لجنة حفظ الآثار العربية بعصر الملك فاروق .

الباب الرئيسي للمسجد مكسي بالرخام الملون المنقوش . وتخطيط هذا الجامع – بحسب المرجع نفسه – على طراز المدارس المملوكية ذات الأواوين المتعامدة على الصحن . ويتكون الجامع من صحن وسطي بمغطى بسقف خشبي يتعامد عليه إيوانان .

أما ملحقات المسجد فهي سبيل يعلوه كتاب، ضلعها الأكبر يقع على شارع بورسعيد وأمامه شباك أمامه مسطبة يقف عليها المارة أمام الشرب وكان صهريج السبيل يملأ كل سنة ويعلوه كتاب الأطفال بحسب “علي مبارك”. ويوجد بالقرب من سقف حجرة التسبيل نص كتابي يبدأ بالبسملة ثم آية الكرسي يتبعها أذكار دينية تنتهي بعبارة “والحمد لله وحده وكان الفراغ في شهر رجب سنة خمس وثلاثين بعد الألف والحمد لله وحده” وهذا التاريخ 1035 هـ يقابل 1625م .

وبحسب المصدر ففي سنة 1938 م قامت لجنة حفظ الآثار العربية ببناء سبيل ثان في الطرف الشمالي من واجهة جامع الحين البحرية في مكان ميضأة الجامع القديمة والتي كانت قد هدمت ونقلت الى الجهة الجنوبية من الجامع نتيجة لفتح شارع محمد علي سنة 1873 م (1290هـ) في عصر الخديوي اسماعيل. السبيل الثاني المستحدث الذي اُلحق بجامع الجين مستطيل ذو شباكين لتسبيل ماء الشرب تغشيهما مصبعات من النحاس حجرة الكتاب التي تعلوه تطل على الجهة الشمالية الغربية ببائكة من عقدين وواجهتا السبيل مكسوتان ببلاطات القاشاني.

بين الأوقاف والآثار

تعرض المسجد لعمليات ترميم كما يؤكد مشرفه لمحيط في مطلع التسعينات، خاصة بعد الزلزال التي أثر على جدران المبنى الأثري العريق وأدى لشروخ فيها، كما تأثر ولا يزال بحركة المرور الكثيفة من حوله في شارع بورسعيد .

وحين حاولنا صعود الكتاب الذي يطل بمشربيات غاية في الروعة الفنية ، قال الحاج عدوي : لن تتمكنوا من ذلك ، ولن أتمكن حتى من فتح البوابة المؤدية للكتاب، وبسؤاله عن السبب قال : الأرضيات متهالكة ويمكن أن تسقط بكم ، والسلم المؤدي لا يستخدم منذ سنوات وبالتالي فكل الاحتمالات مفتوحة من حشرات أو قمامة أو غير ذلك، ناهيك عن كونه مظلم .. وقد فتح لنا البوابة وشاهدنا ذلك بالفعل .

سألناه عن سبب إهمال ذلك الأثر فقال : المسجد تشرف عليه كل من وزارتي الأوقاف والآثار، وأعمال الترميم مسئولية الآثار !

وحين سألناه عن محل الأحذية والذي كان محلا لكاوتشوك السيارات الذي تشاهده أسفل المبنى، قال الحاج حمدي : لقد تم استئجاره منذ سنوات بعيدة ولم يعترض أحد من المسئولين أو يسن قانونا لمنع تلك المحال بالآثار، ولا شك كان ذلك سيكون قرارا حكيما .

توجهنا للدكتور سمارات حافظ مدير إدارة الآثار الإسلامية والقبطية ، فأكد لـمحيط : لقد وصلنا لمرحلة مزرية جدا في عائدات الآثار، بسبب الأوضاع الأمنية والقلاقل السياسية بعد الثورة، وأصبحت الآثار لا تدر دخلا للصندوق الذي كان يكفي وزارتي الآثار ويذهب جزء منه للثقافة أيضا . والحقيقة أن السياحة في مصر كما يرى المسئول صارت شاطئية في معظمها، ولا يذهب للأماكن الثقافية سوى أعداد محدودة لا تكفي لدفع رواتب العاملين بالآثار فضلا عن صيانة وحماية الآثار نفسها.

والمفاجأة التي أكدها الدكتور سمارات أن المسئولين عن أعمال ترميم المساجد الأثرية تعرضوا للتحقيقات القضائية بدعوى مخالفتهم للقانون رقم 30 الذي يجعل أعمال الترميم من اختصاص وزارة الأوقاف وحدها! وقد اضطروا لإثبات أن كل النفقات التي رصدت للترميم تمت بها أعمال صيانة هامة لآثار كانت مهملة ولم تتحرك أي جهة حكومية لإنقاذها برغم قيمتها التاريخية والأثرية الكبيرة .

وبناء عليه تم التفاوض مع وزارة الأوقاف لدفع 30 مليون جنيه لخزينة الآثار مقابل ترميم كل المساجد السابقة، وتم بالفعل مؤخرا صرف 7 مليون جنيه كدفعة أولى من المبلغ .

وأضاف سمارات : نحن نسعى اليوم لإنهاء عدد من المشروعات التي كنا قد بدأناها بتطوير شارع المعز لدين الله ، والجمالية وترميم آثار بقنا ورشيد ودير أثري بالصف .

أما عن مسألة محل الأحذية، فيقول مسئولو الآثار أنها ظاهرة بعدد كبير من الآثار إذ لم تسن الدولة بعد قانونا يجرم افتتاح محال تجارية بمباني الآثار

واختتم حديثه بقوله : كل ما يجري في مصر تتأثر به الآثار والعاملون فيها والذين ألغيت حوافزهم وبعضهم تأثر راتبه، فلا تظلمونا حين تشاهدوا أثرا مهملا ، في الوقت الذي لن نعد بألا نصمت أمام تلك الآثار بحالته المتردية طويلا .

الاقسام

اعلانات