المتاحف والمعارض

متحف إسرائيل.. قصة احتلال تاريخ فلسطين

121

خمسة تماثيل كنعانية ضخمة، عثر عليها في دير البلح بقطاع غزة، هي أول ما يستقبل الزائر لمتحف إسرائيل بالقدس المحتلة، الذي يعتبر أحد اضخم المتاحف في العالم، ويختصر مساعي اسرائيل لاحتلال تاريخ وتراث الفلسطينين كما أرضهم!

وليست تماثيل “دير البلح” غير نقطة في بحر المتحف الذي يزدحم بمئات القطع الاثرية التي تكشف جانبا من حكاية أرض فلسطين قبل آلاف السنين، وصولا إلى مكتشفات تجاوز عمر بعضها المليون ونصف المليون عام، استولت عليها إسرائيل وسلطة آثارها، ونقلتها من كافة أنحاء فلسطين، لعرضها في المتحف وتقديمها وكأنها جزء من التاريخ الإسرائيلي القديم.

وتلخص هذه الآثار جوانب من حياة الكنعانيين وحضارتهم. كيف عاشوا، وماذا لبسوا، وبماذا تميزوا، وتتضمن تفاصيل مبهرة، حول سبل عيشهم وسعيهم وغذائهم، وما هي تقاليدهم.

وتكشف جماجم محنطة لزعماء الكنعانيين وجدت في اريحا وتعرض في هذا المتحف كيف كانوا يدفنون موتاهم، بينما تظهر قبور تعود للكنعانيين، عثر عليها في الجليل الأعلى، وتعرض في ذات المكان، بعضا من أدوات وطقوس العبادة التي ارتبطت بخصوبة الارض الإنسان والحيوانات عند الكنعانيين، فضلا عن مئات القطع الاثرية التي تروي جوانب اخرى من الحكاية.

وكان الكنعانيون حينئذ في الارض

وكان الكنعانيون حينئذ في الارض

ولم تقتصر “سرقة التاريخ والحضارة” على القطع الأثرية التي تعود لعصور قديمة، بل طالت ايضا عصورا لاحقا خصص في المتحف الاسرائيلي قسماً يزخر بالآثار الإسلامية، ومن بينها أجزاء من سور القدس القديمة، تعود إلى عهد السلطان سليمان القانوني، خُطت عليها آيات قرآنية، ما يصدم الزائر حين يطل على حجم الاعتداء الإسرائيلي الذي طال التاريخ بقسوة وسفور يفوق اغتصاب الارض!

وفي حديثه  يقول استاذ علم الآثار في جامعة بيرزيت، الدكتور حامد سالم، بانه وحسب القانون الدولي، يصعب القول بأن جميع الآثار الفلسطينية الموجودة في المتاحف الإسرائيلية مسروقة، حيث لا نستطيع ان نطلق على القطع الأثرية التي وجدت في اراضي 48 (التي لا تعتبر محتلة حسب القانون الدولي) كلمة مسروقة، ولكن يمكن القول بانها محتجزة، أما الآثار التي استخرجت عبر اعمال تنقيب غير شرعية في الأراضي المحتلة فهي بالتأكيد مسروقة باعتراف دولي.

وأضاف: “هناك عدة طرق لسرقة الآثار الفلسطينية، أبرزها عبر لصوص وتجار الآثار والمافيات التي تتعامل مع جهات رسمية في إسرائيل”، مشيراً إلى “ان بعض القطع الأثرية التي تمت سرقتها موجودة في المتاحف الإسرائيلية، وخاصة في متحف روكفلر”.

واشار إلى أن قسماً كبيراً من هذه القطع الاثرية تم بيعها لدول في اوروبا أو في اميركا باسعار خيالية، وهي الآن معروضةٌ في متاحف عالمية.

صخرة منحوت عليها آية قرآنية سرقت من سور القدس

صخرة منحوت عليها آية قرآنية سرقت من سور القدس

وعن عدد القطع الأثرية الفلسطينية المسروقة والمحتجزة، قال حامد: “من المستحيل حصرها ومعرفة عددها، هي بالآلاف أو عشرات الآلاف، كما ان معظم القطع الفلسطينية التي تحتجزها إسرائيل غير معروضة في المتاحف”.

ويؤكد سالم غياب المحاولات الجادة لاسترجاع هذه القطع الأثرية، رغم توفر مخازن للآثار بالضفة، بالإضافة لوجود كادر مختص يوثق ويسجل الآثار الفلسطينية.

وقال احد الادلاء السياحيين (فضل عدم الكشف عن اسمه)، بان المتحف وبالتعاون مع سلطة الآثار الإسرائيلية، يقدم للزوار رواية وشروحا عن الآثار الكنعانية الفلسطينية هذه، وكأنها جزء من التاريخ الإسرائيلي، ويتحدثون (استنادا لذلك) الى ما يصفونه “عظمة تاريخ إسرائيل وعصورها القديمة”.

واضاف: “يقولون للزوار بأن اليهود هم من أصول كنعانية، ولا يوجد لدى الزوار سببا يجعلهم لا يصدقون ذلك، ففي كل المتحف لا توجد اي اشارة او كلمة لفلسطين أو العرب”.

أدوات للطبخ وحفظ الطعام كان يستخدمها الكنعانيون

أدوات للطبخ وحفظ الطعام كان يستخدمها الكنعانيون

واوضح ان كثيراً من القطع الأثرية التي لم يعرف مكان العثور عليها، تم منحها أسماء مناطق عبرية يهودية غير معروفة.

وقال: “هناك قسم خاص بالآثار اليهودية، وهي آثار لملابسهم قديماً، وادوات تظهر عاداتهم وتقاليدهم، وجميع هذه الآثار وجدت خارج فلسطين” مشيرا إلى إن الإمكانيات الفلسطينية المتاحة في الوقت الراهن “لا تستطيع احتواء مثل هذه الآثار التي لا تقدر بثمن”، وقال: “هذه الآثار بحاجة لاهتمام خاص، وبحاجة لمختصين ومحترفين لرعايتها، كما انها توضع تحت إضاءة مخصصة بما لا يؤثر عليها خاصة وان بعضها يعود لعشرات الاف السنين”.

واضاف: “للاسف فاني لم أسمع عن اي مبادرة فلسطينية لافتتاح متحف كبير يحوي الآثار الكنعانية، أو محاولة لاستعادتها من اسرائيل”.

وفي متحف “روكفلر” الواقع في قلب القدس المحتلة، الذي كان يسمى قبل الاحتلال “متحف فلسطين” (رغم انه أسس من قبل رجل الأعمال الأميركي الصهيوني جيف د. روكفلر في عهد الانتداب البريطاني)، وهو تابع لمتحف إسرائيل، فان صدمة الزائر الفلسطيني تكون أشد وقعاً، ازاء الاحتلال الذي طال التاريخ الفلسطيني، خاصة عندما يجد في المتحف أجزاء من بوابات المسجد الأقصى، وعتبات كنيسة القيامة الرخامية، وقد نُسِبت وتقدم للزوار على انها جزء من الارث والتاريخ الاسرائيلي!

تماثيل على شكل طير "الحجل"

تماثيل على شكل طير “الحجل”

يذكر أن مبنى”روكفلر” الذي انشئ في العام 1935 حسب كتيب المتحف، كان ملكا لعائلة الخليلي المقدسية، وكان يطلق عليه سابقاً “كرم الشيخ”، ويعد من أوائل مباني العائلات المقدسية التي شيدت خارج أسوار البلدة القديمة.

وتدعي سلطة الآثار الإسرائيلية ان المتاحف الإسرائيلية تحتوي على القطع الأصلية ذاتها منذ افتتاحها.

ولا تكاد تحصى اعداد القطع الاثرية الكنعانية التي تبهر الزائر وتستوقفه في المتحفين الإسرائيليين (متحف إسرائيل ومتحف روكفلر)، إلا أن هناك آثاراً تجذب أنظار الزائرين بشكل لافت، مثل تلك التي استخرجت من أكثر من عشرين قصراً في أريحا وطبريا، وخاصة سرب تماثيل طائر الحجل التي تظهر الجانب الإبداعي في العصر الكنعاني.

ويستوقف الزائر عند الحديث عن الحضارة الكنعانية العريقة، فن الصياغة وادواته التي كانوا يستخدمونها، وكذلك الأدوات الخزفية المصنعة بمهارة فنية فائقة، ودقة لتخزين الأغذية وتحضير الطعام.

الاقسام

اعلانات