مقالات

التاريخ المصري القديم .. عصر من العظمة والتألق

56

صانع التمثال في مصر القديمة، غير مهتم بتعبير معين للوجه، سواء كان يحمل تكشيرة أو ابتسامة، فهو لا يحاول ابهار المشاهد بفنه.

“لقد اكتشفت، وأنا مستشرق مبتدئ، أن المصريين كان لهم مقياس خلقي أسمى بكثير من الوصايا العشر. هذا المقياس، ظهر قبل الوصايا العشر بألف سنة”. (جيمس برستيد – كتاب فجر الضمير).

“العدالة خالدة، في الزمان والمكان. تُخّلد اسمك في الأرض، وتحميك من الغبن في العالم الآخر يوم الحساب”. (من قصة الفلاح الفصيح).

بالقرب من مدينة منف (الجيزة)، على حافة الصحراء، يوجد الهرم الأكبر، هرم الملك خوفو (2589-2566 ق. م)، ابن الملك سنفرو. كم من آلاف السنين، المحملة بعبق التاريخ، قد مرت على هذا الصرح؟ وماذا يخبرنا هذا البناء الجبار الرائع؟

الهرم الأكبر، يخبرنا بطبيعة شعب منظم مرتب دقيق مثابر متفانٍ في عمله ومخلص في حرفته وفنه. وإلا، كيف نفسر بناء هذا العمل الجبار، وقطع ونقل ورفع هذه الكتل الصخرية، ووضعها في مكانها الصحيح، بهذه الدقة، باستخدام آلات وأساليب بدائية.

الملك خوفو، هو باني الهرم الأكبر، ربما ليكون معبدا دينيا، أو قبرا يدفن فيه الملك، أو الإثنين معا. استخدم في بناء الهرم مئات ألوف العمال، واستغرق بناؤه 22 سنة. في المركز داخل الهرم، يوجد تابوت من الجرانيت وجد فارغا.

الهرم من الخارج كان مغطى بطبقة ملساء من الحجر الجيري، استخدمت بعد نزعها في بناء مباني القاهرة القديمة. لكي تتسلق الهرم اليوم، عليك أن تصعد 200 سلمة. عندما تصل للقمة، سوف ترى نهر النيل والصحراء التي تحيط بالوادي.

بني الهرم الأكبر على أرض مسطحة أفقية ملساء، على شكل مربع متساو الأضلاع، مساحته 13.5 فدان، وارتفاعه عن سطح الأرض 481 قدما. ظل أعلى مبنى عرفه الإنسان، إلى أن تم بناء برج إيفل في فرنسا. أوجه الهرم الأربعة، كل منها على شكل مثلث.

درجة الخطأ في تسطيح القاعدة لا يتعدى أربعة أجزاء من الألف في المائة. أو بالقياس العملي، ليس هناك خطأ على الإطلاق.

كل وجه يقابل إحدى الجهات الأصلية، شرق وغرب وشمال وجنوب. الخطأ في اتجاه ضلعي القاعدة، الشمال والجنوب، يبلغ ثلاثة أجزاء من مائة جزء في المائة. الخطأ في اتجاه ضلعي الشرق والغرب لا يتعدى تسعة أجزاء من مائة جزء في المائة.

هل هناك دقة في المقاييس والصناعة أشد من هذه؟ أحجار الهرم يبلغ وزنها ستة ملايين وربع الطن. عدد أحجاره 2.5 مليون حجر. متوسط وزن الحجر 2.5 طن. هي كافية لعمل سور يحيط بفرنسا كلها. هذه الأحجار وضعت مع بعضها البعض بدقة، بحيث لا يزيد سمك الفراغ الموجود بين حجرين عن خمس البوصة.

داخل الهرم توجد غرفة الملك. تحتها غرفة الملكة. غرفة الملك بها نافذتان أو ممران هوائيان. الأول يسمح بمرور الضوء الساقط من النجم القطبي مباشرة، حتى يضئ جثمان الملك، في رقاده الطويل على الدوام. لأن النجم القطبي ثابت في مكانه في السماء دون باقي النجوم التي تدور حوله.

من ثم، يظل جثمان الملك مضاءً في الليل أو النهار بصفة دائمة. أما النافذة الأخرى، فتقع جهة الجنوب. تسمح بمرور الضوء الساقط من نجم الشعرى اليماني، “سيرس”، الذي كان يمثل عند قدماء المصرين الإلهة إيزيس. لكي يضئ تابوت الملك مرة واحدة فقط كل عام. بذلك تستطيع روح الملك في رقادها الأبدي، معرفة عدد السنين التي تمر.

كذلك وضعت الأهرامات الثلاثة في أماكنها، ليست على خط مستقيم، كما هو المتوقع، إنما في شبه خط مستقيم. لماذا؟ لكي تمثل وضع النجوم الثلاثة التي تتوسط برج الجبار “أوريون” والذي يمثل الإله أوزوريس.

لماذا يهتم المصري القديم بالدقة المتناهية في الصنع. ألا يكفي وضع الأحجار مع بعضها، على شكل كومة ضخمة، ترتفع قمتها نحو السماء؟ لماذا يهتم المصري القديم بالشكل الهرمي الذي تطابق أضلاعه الجهات الأصلية بدون خطأ يذكر، وأي سر في ذلك؟

لماذا يهتم بأن تكون نسبة نصف محيط قاعدة الهرم إلى ارتفاعه قريبة من نسبة طول محيط الدائرة إلى قطرها والمعروفة لدينا بالقيمة “ط”. ربما لأن هذه النسبة هي التي يكون فيها البناء مستقرا.

هل صحيح، أنه تم اختيار موقع الهرم لكي يكون مركز الكرة الأرضية؟ بمعنى أن خط الطول الذي يمر بالهرم، يمر في نفس الوقت بأكبر مساحة أرضية، يمكن أن يمر بها خط طول آخر، وكذلك خط العرض الذي يمر بالهرم، هو الآخر يمر بأكبر مساحة أرضية؟

هل كان المصري القديم يعلم، أن الأحجار الجيرية المستخدمة في بناء الهرم، هي تراكمات بيولوجية من الأحياء الدقيقة، التي كانت تعيش في الماء منذ ملايين السنيين؟

أي أن كل ذرة في جسم الهرم، كانت تنبض بالحياة في يوم من الأيام، مثل رفاة الملك والملكة اللذين يرقدان داخله. أم كل هذا من قبيل المصادفة؟

ما هي علاقة الهرم بالشمس؟ عندما تشرق الشمس في الأفق، تبدأ أشعتها الذهبية في تسلق وجه الهرم الشرقي، كأنها تصعد الدرج إلى السماء. عندما تبدأ في الغروب، ترى شعاعها القرمزي، يهبط الوجه الغربي للهرم، إلى أن يختفي رع في الأفق البعيد.

كيف وضعت هذه الأحجار مع بعضها، بحيث لا يضغط ثقلها الرهيب على الغرف والنوافذ والممرات الموجودة داخل الهرم؟ كيف تتخيل ستة ملايين وربع مليون طن من الحجارة صنعت بمهارة الجواهرجي؟

إذا كانت دقة بناء الهرم تعتبر معجزة، فما بالك بعظمة الإدارة التي استخدمت لتشغيل هذا الجيش الغفير من العاملين في مشروع واحد، والتي توفر لهم المأكل والمسكن، وتجعلهم يعملون في توافق وتجانس تامين، دون تخبط أو تعارض في القرارات والأوامر.

التاريخ يخبرنا أنه لا يوجد ملك أو شعب آخر، أخذ على عاتقه هذا العناء، وبذل هذا الجهد، في بناء صرح واحد، أشبه بالمشروع القومي، بهذه الدقه والصبر، لذلك جاء بمثل هذه العظمة.

قصة بناء الهرم الأكبر، شابها العديد من الخرافات، وأثقلها الكثير من الأساطير. يتحدث كثيرون من الناس عن القوة السحرية التي تقبع في الشكل الهرمي.

لكن الشكل الهرمي في مصر القديمة، قد أتـى نتيجة تراكم خبرات وتطور أحداث، وعن طريق تفكير واكتشافات. الهرم بني لكي يكون قبرا للملك، لا بناء سحريا له قوى خارقة.

دخل نابليون وحده الهرم الأكبر، وذهب بمفرده إلى غرفة دفن الملك. خرج يرتجف شاحب الوجه، في حالة يرثى لها. لكنه رفض الإفصاح عما حدث له داخل الهرم.

هل رأي نابليون مستقبله، أو مر بتجربة روحية فريدة داخل الهرم؟ أم أنه يحاول خلق قصة، يتناقلها الركبان وتروى عنه فيما بعد؟ لا أحد غيره يعرف بالتأكيد.

يقول هيرودوت، المؤرخ اليوناني، أن 90 ألف عامل، كانوا يقومون بالبناء ثلاثة شهور كل عام. ربما أثناء الفيضان، عندما كانت المياه تغمر أراضيهم. كانوا يستخدمون الآلات في رفع الأحجار (ربما يقصد الروافع).

على غير الاعتقاد السائد في الماضي، لم يقم العبيد ببناء الهرم الأكبر. خروج الإسرائيليين من مصر، حدث في زمن لاحق لزمن خوفو بأكثر من ألف عام. قد تبين أنه لم يكن هناك أعداد كبيرة من العبيد، تستخدم في أعمال البناء والري في مصر.

لا توجد أوراق بردي تبين هندسة بناء الأهرامات بالتفصيل. ربما كانت من أسرار الحرفة التي تورث. السؤال هنا، كيف بني الهرم الأكبر؟ لا يسعنا سوي الحدس والتخمين.

يقوم العمال بإزاحة الرمال عن القاعدة الحجرية التي سوف يبنى الهرم فوقها. ثم يقومون بعمل قنوات في القاعدة، وملئها بالماء، حتى تكون مثل ميزان المياه الذي يستخدمه النجارون، لتحديد المستوى الأفقي بدقة بالغة.

المحاجر كانت قريبة من الهرم، فلا حاجة لنقل الأحجار مسافات طويلة.

خطة بناء غرفة الدفن، تغيرت. فبدلا من أن تكون تحت الأرض، انتقلت إلى غرفة علوية.

البهو العظيم، عبارة عن ممر ضخم يوصل إلى غرفة الدفن. هو في حد ذاته، معجزة معمارية. ارتفاعه 28 قدما. سقفه مبني بطريقة الطنف والعوارض، إلى أعلى على مدى الارتفاع كله، حتى لا تدمر ملايين الأحجار، سقف البهو أسفلها. مهارة في فن المعمار ليس لها مثيل.

تابوت دفن الملك خوفو، هو الشيء الوحيد الموجود حاليا بغرفة الدفن. عرض التابوت أزيد بـ 2 بوصة من عرض فتحة الباب. لا بد أن التابوت وضع أثناء بناء الهرم. ثم بنيت الغرفة حوله.

غرف تحميل أخرى، استخدمت بدلا من نظام الطنف والعوارض، لتخفيف الأحمال عن سقف غرفة الدفن. إعجاز هندسي آخر بكل المقاييس.

كيف رفعت الأحجار أعلى الهرم؟ بالسحب على طرق منحدرة، أم على طرق ملتوية، أم بأسلوب الردم حول الهرم؟ لا نعرف بالتأكيد.

يقول المقريزي، المؤرخ المصري في القرن الرابع عشر الميلادي، إن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد، في القرن التاسع الميلادي، حاول دخول الهرم. لم يستطع جنوده العثور على المدخل الأصلي الشمالي للهرم. فحفروا مدخلا جديدا، أسفل المدخل الأصلي، الذي تم اكتشافه فيما بعد.

بعد جهد وعمل شاق استمر عدة شهور، استطاع جنود المأمون دخول الهرم. عثروا على مومياوات ملقاة داخل سراديب الهرم. لا يزال مدخل المأمون هذا هو المستخدم. لكن، ماذا وجد المأمون داخل الهرم بجانب المومياوات، لا نعرف بالتأكيد؟

في حفرة مسقوفة بجوار الهرم الأكبر، اكتشف الأثري كمال الملاخ، عام 1954، مركبا مصنوعة من خشب الأرز المستورد من لبنان. المركب كانت مفككة ومربوطة بالحبال. تم تجميعها فيما بعد، فوجد أن طولها 150 قدما، لكن بدون سارية أو شراع.

لذلك كان الاعتقاد أنها مركب صنعت بغرض آخر غير الإبحار في اليم. المجاديف ثبت أنها لا تصلح للإبحار ولم تستخدم. ربما تكون مركبا صنعت لأسباب دينية.

وربما تكون لأخذ روح الملك خوفو، والعبور بها، مع إله الشمس رع، إلى العالم الآخر. أو ربما تكون قد استخدمت مرة واحدة لنقل جثمان خوفو من الضفة الشرقية إلى الغربية لنهر النيل. لذلك سميت مثل هذه المراكب، “مراكب الشمس”، أو سفينة خوفو.

تمثال أبو الهول، جسم أسد برأس إنسان. منحوت من حجر ضخم واحد. طوله 241 قدما وعرضه 63 قدما. يقال أنه يخص الملك خفرع (2558-2532 ق. م)، باني الهرم الثاني. يمثل قوة الأسد الجسدية وذكاء الإنسان العقلي.

نحت أبو الهول منذ 4500 عام، وليس منذ 12000 عام، كما يعتقد بعض الجيولوجيين. جنود نابليون لم يقوموا بكسر أنفه كما تقول الشائعات. هناك رسومات لأبي الهول قبل الحملة الفرنسية على مصر، تبين أن أنف أبي الهول كانت مجذوعة في ذلك الوقت.

ذقن أبي الهول مفقودة. جزء منها موجود في المتحف البريطاني، والجزء الآخر في المتحف المصري. المتحف البريطاني يخشى عرضها، حتى لا تطالب بها مصر، وتكون سابقة للمطالبة بكنز الكنوز، حجر رشيد، وعودته لوطنه الأصلي مصر. معبد خفرع بالمنطقة، هو المعبد الوحيد الكبير بين معابد الدولة القديمة. أرضه مبلطة بالمرمر.

الملك منقرع، هو باني الهرم الثالث. فن صناعة التماثيل، وصل في عهده إلى الذروة. تمثال الملك خفرع وزوجته، الموجود حاليا بمتحف بوسطن بالولايات المتحدة، ليس له مثيل في الإبداع والإتقان، في أي عصر من العصور.

يجب أن لا ننسى أنه منحوت من قطعة واحدة من حجر البازلت، فكيف تم نحته بهذه الدقة، دون خطأ أو خدش واحد؟

تماثيل قدماء المصريين الخاصة بالمملكة القديمة والأسرة الرابعة بالأخص، تعتبر من أجمل وأروع التماثيل بين كل الأعمال الفرعونية القديمة. تتسم بالروعة والبساطة والجمال والجلال. تعلق بالذاكرة، من الصعب نسيانها.

صانع التمثال في مصر القديمة، غير مهتم بتعبير معين للوجه، سواء كان يحمل تكشيرة أو ابتسامة. لا يحاول ابهار المشاهد بفنه. لكنه يركز على الضروري والأساسي، ويحذف الباقي. تركيزه على الضروري فقط والأساسي، هو الذي يجعل تماثيل المملكة القديمة فريدة ورائعة.

بالرغم من بساطة التماثيل والرسوم، وكونها مثل الرسوم الهندسية، إلا أنها ليست ساذجة وبدائية. إنها تشعرك بالتوازن الكامل بين الحقيقة والخيال، بين ما نراه وما نحلم به. توازن ومزج بين الجسد الفاني والجسد الخالد.

المزج بين الأشكال الهندسية، وما نلاحظه في الطبيعة، هو شيمة كل الأعمال الفنية المصرية القديمة. الرسوم التي تزين جدران المعابد والمقابر توضح ذلك.

هذه الرسوم لم توضع لكي نشاهدها نحن كما نشاهد الأعمال الفنية في المتاحف. لكنها رسمت لكي لا يراها أحد سوى الـ “كا” أو روح الميت.

ليس الهدف هو التمتع بهذه الرسوم، بقدر ما هي تعليمات وإرشادات لروح الميت، حتى تأنس وتجد المجتمع والوسط الذي تركته في الحياة الدنيا. ممثلا في الرسوم والتماثيل، فتتعرف على المتوفي وتعود إلى جثمانه من جديد. لذلك، الفن المصري القديم، فن فريد، ليس له مثيل على الإطلاق، في عصرنا، أو في أي عصر من العصور.

آخر ملوك الأسرة الرابعة، كان الملك “شيبسس كاف” (2678-2643ق. م)، الذي ترك هضبة الجيزة، وذهب إلى سقارة لكي يبني هناك مصطبة (مصطبة فرعون). يوجد له تمثالان بمتحف اللوفر. بموته، ينزل الستار على بناة الأهرامات العظام، ملوك الأسرة الرابعة.

الأسرة الخامسة (2498-2345ق. م)، هي أسرة ملوك الشمس. تمردوا على التقاليد، وبنوا معابد لإله الشمس، وأهرامات صغيرة في منطقة أبو غراب، جنوب سقارة وشمال أبوصير.

هناك، بنى الملك “أوسر كاف”، مؤسس الأسرة الخامسة معبد الشمس الخاص به، ثم شيد الملك “نى أوسر رع”، سادس ملوك هذه الأسرة، معبد الشمس الخاص به أيضا، على بعد 500 متر شمال غرب معبد أوسر كاف .

الكتابة الهيروغليفية على الجدران الداخلية للأهرامات، بدأت بالملك “يوناس” (2375-2345ق. م)، آخر ملوك الأسرة الخامسة. عاد يوناس إلى سقارة، وهناك بنى لنفسه هرما صغيرا، نقشه من الداخل بالتعاويذ والتراتيل. هدفها، هو ضمان بعث الملك في الحياة الأخرى.

التعاويذ، تنقسم إلى ثلاثة أجزاء. الأول، لكي تضمن أن جسمان الملك لا يمسه شر قبل رحلته الأخيرة إلى الغرب. الجزء الثاني، لكي يضمن أن رحلة الملك إلى الغرب تتم في سلام ووئام، مع غروب الشمس. الغرب، هو رمز الموت عند المصريين القدماء. الجزء الثالث من التعويزذ، هي ابتهال، لكي يُقبل الملك في العالم الآخر وينول رضا الآلهة.

الأسرة السادسة (2345-2181ق. م)، هي آخر أسرات المملكة القديمة. أثناء هذه الفترة، استمر ملوكها في بناء الأهرامات الصغيرة التي تشبه التلال، بداخلها كتابات هيروغليفية على الجدران.

النبلاء كانوا يبنون مصاطب تنافس الأهرامات الصغيرة التي يبنيها الملوك. مما يثبت ازدياد نفوذ النبلاء على حساب سلطات الفرعون. في النهاية، تم سقوط المملكة القديمة برمتها.

أعقب سقوط المملكة القديمة، قيام المملكة الوسطى، ثم سقوطها هي الأخرى، قبل قيام المملكة الحديثة. حضارة مصر، هي الحضارة الوحيدة في العالم، التي مرت بنكستين كبيرتين، دون أن تنكسر وتختفي من الوجود.

الملك “بيبي الثاني” (2278-2184ق. م)، هو آخر فراعنة المملكة القديمة. حكم مدة 94 سنة. هي مدة، لا ينافسه في طولها أي حاكم آخر، في أي مكان أو أي زمان.

ربما بسبب طول مدة الحكم هذه، ضعفت الدولة. هذه إحدى عيوب الدولة المركزية. استمرار ضعف الدولة، أدى في النهاية إلى انهيار الحضارة المصرية وذبول وهجها المتألق.

يقول “كورت مندلسون”: إن سبب انهيار الحضارة المصرية، بعد الدولة القديمة، يرجع إلى البطالة، وإلى ثورة العمال وعصيانهم لأوامر الفرعون. ربما يكون مندلسون مخطئا في نظريته.

أحد مصادر التاريخ المصري القديم، هو كتاب الكاهن المصري مانيثون، من سمنود، الذي عاش في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد إلى منتصف القرن الثالث.

الكتاب عن تاريخ مصر حتى عصر البطالمة باللغة اليونانية، كتبه مانيثون بناء على طلب بطليموس الثاني حاكم مصر في ذلك الوقت. للأسف، النسخة الأصلية للكتاب فُقدت أثاء حريق مكتبة الإسكندرية.

لكن، لدينا بعض المعلومات، مدونة داخل مرجع قديم آخر، تقول عن هذه الفترة أنه كان يوجد، “70 ملكا في 70 يوما”. هذا يعني، ملك كل يوم، بما يفيد عدم الاستقرار والصراع على الحكم.

احتمال آخر لسبب الانهيار، هو وجود ملك في الصعيد، وآخر في وجه بحري. لأن العاصمة انتقلت في هذه الفترة من منف إلى “هيراكليوبوليس”، إهناسيا، في محافة بني سويف.

أسماء الملوك على جدران المعابد والمسلات وعلى صفحات البرديات، هي أيضا من مصادر التاريخ القديم الهامة. حجر “باليرمو” هو الجزء الأكبر من لوحة كبيرة تعرف باسم “الحوليات الملكية للدولة القديمة”. تحتوي على سجلات ملوك مصر من عصر الأسرة الأولى إلى عصر الأسرة الخامسة.

الحجر محفوظ في متحف “باليرمو” بإيطاليا. بقية اللوحة موجودة في متاحف القاهرة ولندن. الحجر من البازلت الأسود، نقش في نهاية عصر الأسرة الخامسة، يدون أسماء ملوك مصر القديمة، بداية من الملك نارمر.

قائمة ملوك الكرنك، الموجودة في متحف “اللوفر” بباريس، بها أسماء 61 ملكا، إلى أن نصل إلى تحتمس الثالث. قائمة أبيدوس، بها أسماء 76 ملكا إلى الملك ستي الأول.

هذه الأسماء، كانت تستخدم في سنوية ذكراهم. ففي كل عام، يقوم الفرعون الحالي، بقراءة أسماء الملوك السابقين وطلب الرحمة والغفران لهم، وتوزيع الصدقات على أرواحهم.

قائمة بردية تورين، تحتوي على أسماء 300 ملك إلى رمسيس الثاني. مع بعض التفاصيل عن عهودهم، لكن البردية بالية في حالة سيئة. آداب المملكة الوسطى، تعطينا أيضا بعض المعلومات التاريخية.

من الوثائق المهمة الأخرى، أدب المرثيات. أحدها تخص رجل على وشك الانتحار. شخصيته، التي يسميها المصريون القدماء “با”، هددته بأنها سوف تتركه إذا حاول الانتحار.

هذا يعني أن الرجل لن يستطيع أن يبعث حيا في الحياة الأخرى. المرثيات، تبين أيضا، أن مصر كانت محتلة بالأجانب. جانب كبير من المرثيات، يبين أن الآلهة غاضبة. رضاء الآلهة كان من أول واجبات الفرعون.

معات تمثل الحق والعدل أو الصدق أو الأخلاق أو ما يجب أن يكون وفقا لمشيئة الآلهة. المرثيات تتوق وتحن شوقا إلى الأيام الخوالي، أيام العظمة والرقي والرفعة. أيام حكم الملك سنفرو والمملكة القديمة.

الحالة الاجتماعية تمر الآن بفوضى عارمة. هذه الفترة، التي نهبت فيها الأهرامات والمعابد والمدافن. المرثيات تبين خوف المصريين وكرههم للأجانب الملتحين، من البدو وسكان الصحراء.

المرثيات تبين أيضا غضب المصريين من زيادة الضرائب في وقت المحن. الفترة من الأسرة السابعة إلى نهاية الأسرة الثامنة (2181-2160 ق. م)، هي فترة غامضة من الصعب التنقيب عن آثارها. لكن مصر، كما سوف نري في المقالات القادمة، ستقوم من كبوتها وتنهض وتسود العالم من جديد.

الاقسام

اعلانات