المتاحف والمعارض

متحف الفن الإسلامي في قطر …حف نادرة ومخطوطات من زمن المتنبي

18

الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا من الاثنتين وذاقوا حلاوتيهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح او بعضا منه. ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم فان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي. القبس شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة الرمضانية.

متحف الفن الإسلامي في الدوحة الذي افتتح عام 2008، حدث مهم، فتح المجال امام الجمهور لمشاهدة آثار من الفن الإسلامي، ويسلط الضوء على الجمال والحيوية، المتحف بين جدرانه مقتنيات تساعدك على فهم التاريخ، تشاهد الكنوز المكنونة ولا تصدق الا عندما تشاهد في المعرض الدائم لأهم القطع، وإذا اردت العالم بكنوزه ولم يرها العالم، فالمتحف يكشف عن الصور والاخشاب والقطع الفنية فيعود بك الى القرن العاشر الميلادي، في مبنى ذي اهمية هندسية من تصميم الصيني آي.ا. باي، فقد استطاع هذا المهندس المعماري ان يجسّد الحداثة وروح التراث، وهو مهندس اكثر الافكار شهرة في العالم، كمشروع «اللوفر في باريس» 1983 / 1993 وكذلك من سوزهو في الصين الى لوكسمبورغ، المتحف في الدوحة الجميلة فوق جزيرة صناعية يفتح ذراعيه فيلفت نظرك من البداية مصلى ومحل للمبيعات، وقاعة محاضرات ومقهى. وكل طابق من طوابق المتحف فيه جسر زجاجي مستكملاً مسارك بالشرفات، والضوء يتسلل من الفتحات. والمتحف على مساحة 35500 متر مربع، ويعتبر مركزاً ثقافياً وتعليمياً. وتتمتع بمشهد الحديقة والجسر البديع وكل ما اقوله ان المتحف اثار دهشتي بما يحتوي من جمال وكان له صدى قوي عند زائريه من جميع الاعمار.

الخزف عمل يدوي

عند التجول في متحف الفن الاسلامي لا تحتاج الى مرشد ولا دليل، ولا الى من يشرح او يرشدك. فاللوحات والكتابات المتوافرة في المتحف تغنيك عن كل هذه، وعندما تدخل جناح الخزف تجد الخزفيات من كل العالم الاسلامي قديما حتى بداية القرن العشرين، فهذه المهارات من صانعي الاشغال الخزفية بأيدي عوائل في بيوتهم ومن مواد بسيطة مثل الطين القابل للحرق، حتى ادخلوا الالوان وأصبحت هذه القطع من النوادر الفاخرة تثير الاعجاب، وتنافس البورسلان الصيني المشهور بقدمه والذي تم استيراده الينا منذ اواخر القرن الثامن عشر، وكان من الصين للمتاجرة والترف، واول من قلدهم في العراق وتشاهد قطعة سلطانية من البصرة تاريخها من القرن التاسع الميلادي مكتوبا عليها «ما عُمل صُلح» وقطعة من نيسابور وسمرقند من القرن العاشر الميلادي من خزف مزين بطين سائل اسود، مكتوبا عليها:

«وعاجز الرأي مضياع لفرصته

حتى اذا ما فاته امر عاتب القدر»

وعندما تشاهد مهارات الخزاف وابداعه الفني وخاصة هذا القرص من الفخار وهو للاستخدام اليومي، وبتصاميم معقدة تمنع دخول الذباب ولم تكن الجرار ترجح كي تسمح للماء بالشرب عبر الجدران الفخارية والتبخر وبذلك يبرد الماء بداخل الجرة، وهذه المصافي من القرن 11 م والقطر 9 سم.

متحف الفن الاسلامي غني بالخزفيات، من سنة 1214م من ايران وسوريا وتركيا وخزفيات من عام 1540 فخار مخلوط بالزجاج والفيروزج وكذلك الخزف الازبقي ويلفت نظر الزائر طبق تركي من القرن السادس عشر الميلادي بألوان خافتة خاصة الارجواني والاخضرين الباهت والزيتوني.

الجناح العاجي

ومن الواضح ان التصميمات الداخلية ترشدك الى اقسام دون ان تسأل، وحتى موظفات الاستقبال يعلن ان اللافتات والقراءات تدلك على خط السير. واثناء سيرك ومشاهداتك تتحدى المرشد والدليل فتجد قطعة شطرنج من القرن 11 م من العاج بلونه اللؤلؤي الأبيض، له لمعان، وهذا عاج الفيل من النوادر مادة نشطت التجارة بها في شبه الصحراء الافريقية، ومع الشطرنج الغالي علبة تختلف عن العلب الاخرى المنحوتة، فهي ملكية مزخرفة حيث ترى مشاهد لصيادين يمتطون خيولهم واسودا تنتقم من الصيادين وهي منذ سنة 1003م.

وتشاهد في هذا الجناح العاجي بوق صيد من القرن 11 م، مصنوع من عاج محفور ونحاس اصفر، قطعة اوروبية من صقلية، مصنوعة من ناب الفيل، صنعت في ايطاليا على يد فنانين مسلمين، وهذا البوق استخدم خلال الصيد للتواصل.

قسم المنسوجات

وعندما تدخل قسم المنسوجات، يحضرك «ابن بطوطة» من العصور الوسطى، وتتذكر القطن والحرير القادمين من الهند وايران الى اليمن والصين ومصر وسوريا، كان البيع لأجل الصناعة، والقطع تعرفك بأصحابها وحالاتهم المادية والمكانة الاجتماعية، منسوجات وقطع سجاد مدهشة بتصاميمها وتقنياتها، حتى أنها مطلوبة ومرغوبة في الغرب كونها فاخرة ومن اثاث القصور، تشاهد قطعة كتان منسوجة بخيوط من الحرير الاحمر والاصفر، مصنوعة من القرن العاشر الميلادي، وثوب من آسيا الوسطى، حرير بخيوط ذهبية بطول 130 سم، صنع لنخبة المغول، وسجادة مستديرة من القاهرة من 1575م من مادة الصف، ومعلقة «ليلى والمجنون» من زمن قاشان الايراني اواخر القرن السادس عشر الميلادي، حرير مطرز، هذه المعلقة مثال رائع وفريد، تصورلك مشهدا روائياً لحدث من قصة حب شائعة (ليلى والمجنون)، والصورة تبين للمشاهد احضار ملوع الحب مجنون الذي اعتزل في الصحراء امام محبوبته ليلى.

السجادة النادرة

وقام علي كرم البلوشي، المرافق والاخ الوفي، بالتقاط بعض الصور لسجادة نادرة استثنائية لم نعرف طولها، واخيرا عرفنا عرضها 325 سم، والكتابات عرّفتنا انها كانت بحاجة الى رأسمال كبير، لتوظيف حرفيين وشراء كمية هائلة من الصوف الملون، ونول لصناعتها بهذا الحجم، وهي من حيدر اباد (الهند) القرن 17م.

وكل ما اقوله شكرا لسعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيسة مجلس امناء هيئة متاحف قطر، على هذا الجهد الجبار والاهتمام وطريقة العرض والارشاد.

العين ترى ما تعرف

وعندما دخلت مكتبة المتحف لبيع الكتب مع اخواني ابو حسن البلوشي وابو سرور الصحاري، وقع بين يدي كتاب جذبني عنوانه «خمسون كنوز مكنونة» من متحف الفن الاسلامي في قطر، عندما تتصفحه تجد ان الكتاب كنز من هذه الكنوز المرصعة في المتحف، تصفحناه وبدأنا نتجول فشاهدنا خناجر من الهند، وسيوفا من عهد المغول، وقنينة ماء من تركيا، ومخططا ملاحيا للبحر المتوسط من حوالي عام 1600م، ولوحة شخصية لفتح علي شاه 1816م من عهد القاجارية، ولفت نظرنا حامل فنجان قهوة من القرن 19م، وألماس وياقوت وذهب، وحلي وعقود ومصابيح من عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة.

متحف الفن الاسلامي فيه اكثر من 1000 قطعة فنية، تغطي حقبة طويلة من الزمن، وفيه جناح تعليمي، وقاعة للانشطة، وكل الخزفيات والمعادن والخشب والمجوهرات والزجاج والعاج تجده هنا.

المخطوطات شاهدة حضارات

وانتقلت الى ادارة المخطوطات التابعة لدار الكتب القطرية، حيث تعتبر الكتب من اهم الثروات في دولة قطر، التقينا الاستاذ حسن احمد ابراهيم، اخصائي مخطوطات ادارة الكتب القطرية، فقال: المخطوطات التي نملكها علامة بارزة في التاريخ العربي والاسلامي، وهي شاهدة على تلك الحضارات، في هذا المبنى للمخطوطات يوجد اقدم تفسير للثعلبي (582 هــ)، وديوان المتنبي قبل وفاته (354 هــ)، كل هذه الكتب والمخطوطات نسخ اصلية، وحوالي 2500 رسالة ومخطوط عندنا، وكل مخطوط بداخله رسائل عبارة عن مجاميع من المعلومات، وكلها تتحدث في جميع المعارف والعلوم التطبيقية مثل: الطب وعلم الفلك والرياضيات، ومصاحف وعلوم الحديث واصول الفقه والعلوم الاجتماعية، عربية واسلامية. ومن المخطوطات دواوين تركية وفارسية في الأدب، وكتاب «كلوستان» للشاعر الفارسي حافظ، وشرح مطالب الأنوار، وكل مخطوط لم نحصل عليه نقوم بتصويره للاستفادة.

الماضي يعلو

وحدثنا بو إبراهيم الشاعر: على الرغم من التقدم والتطور والتنمية والبناء، ففي النهاية يكون الماضي معنا وبين أضلعنا وفي دمنا، والماضي يعلو، والحفاظ عليه واجب علينا، فهذا ما يسود في بلدنا قطر لأنه هو الأساس، نتطور في البناء ونواكب العالم إلا أن أبراجنا وأسوارنا وقلاعنا وأسواقنا القديمة تبقى، وسفننا الخشبية تظل أمام أعيننا، فهذا مركز قطر الثقافي الإسلامي الذي يوفر الكتب والأبحاث، ويعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إلا أن شعار المركز هو «فنار» المصباح القديم الذي ينصب على سارية كبيرة لإرشاد السفن، والآن أصبح فنار قطر الحديث معلما تراثيا على الواجهة البحرية لمدينة الدوحة، وهذا الاسم أعاد إلينا الهوية القديمة لارتباطنا بالبحر، وأقول إن الفنار لارشاد وتعريف أهل البحر إلى بر الأمان، فإن الاسم جاء لارشاد غير المسلمين إلى الإسلام، فقيمنا وعاداتنا باقية، ففي كل ركن نجد ذكريات للماضي من السفن والدانات والأسماء فأيد متماسكة للحفاظ على ترابنا وأرضنا وماضينا ونرتقي إلى الأعلى ونساير الحاضر ونفكر ونعمل للمستقبل.

أقدم المخطوطات

قال: في دار المخطوطات لابن الشيخ المعروف بــ «حمدان» ناسخ مصحف القرآن الكريم سنة 500هــ، ومصحف لتلميذ حسين بن مصطفى سنة 900هــ، كلها بخط الشيخ، لها زخرفة خاصة، ومخطوطات ابن البواب، ونسخة من المصحف الشريف داخل إطارات مذهبة ومزخرفة من 900هــ، مكتوب على يد ابن مصطفى كما ذكرناه، ومصحف به زخارف على هيئة أشكال هندسية ونباتية مذهبة مكتوب بيد «نظام شهرزادي 1077هــ»، وجامع مسلم تأليف مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري المتوفي 261هــ، يقع المخطوط في 213 صفحة، وأصول البزدوي سنة 482هــ، وشرح الشافية لابن الحاجب وهو شرح له، ونماذج من الخط الكوفي القديم لأبي الأسود الدؤلي، وهي وضع النقاط فوق وأسفل داخل إطارات مذهبة بخط حسن حضرت سلحشون شهرياري، ومعجم المؤلفين (رضا كحالة) مفهرس من سوريا ومصدره بغداد، وتفسير السعادة رُمم هذا المرجع في وزارة الأوقاف في الكويت، والبحر الرائد في الفقه، وديوان المتنبي بخط الريحاني، وكتاب «شرح أسباب الأمراض وعلاماتها» للمؤلف الكرماني «نفيس بن عوض ابن حكيم» 841هــ، والمعونة في الحساب المؤلف ابن الهايم أحمد بن محمد بن عماد الدين 815ه‍‍ــ وهو من علماء الرياضيات، مصري المولد، كتبه بخط نسخي أحمر وأسود المداد، ومخطوط عنوانه «نهاية المطلب في شرح المكتسب من زراعة الذهب» للمؤلف: الجلدكي 743هــ، يتحدث فيه عن تحويل بعض المعادن إلى معدن آخر كالذهب، ونسخ في 997هــ، وكتاب إحياء علوم الدين للمؤلف محمد بن محمد بن محمد الطوسي الغزالي من 240 ورقة (صفحة) نسخت هذه النسخة في العشرين من شعبان عام 771هــ.

admin

الرؤية: توفير محتوى عربي مميز
الرسالة: ايصال المعلومة بشكل شيق ومفيد

Add Comment

انقر هنا لإضافة تعليق

الاقسام

اعلانات