مقالات

موقع حورته الأثري تاريخ عريق يحاكي نهج النظام التدميري

بقلم بثنية حميد الخليل / سورية: حورته موقع أثري هام في سورية يقع في سهل الغاب إلى الشمال من مدينة أفاميا الأثرية استوطنتها بعض القبائل البدوية منذ أربعة عقود وما زالت قاطنة حتى الآن.

 

ضم الموقع في طياته معالم أثرية وكنيستين إحداهما قائمة على أنقاض معبد ميترا أحد المعابد الخمسة في العالم الذي احتفظ برسوماته الجدارية، يعد هذا المعبد الثاني الذي عُثر عليه في سورية بعد دور أوروبولوس (تل الصالحية) حيث يظهر لأول مرة في فن التصوير عدد كبير من المشاهد الغير منشورة خاصة منها التي تمثل شياطين صارعتها ميترا ،دُمر هذا المعبد في نهاية القرن الرابع وأُنشأ عليه كنيسة.يقول فهد الخليل أحد العاملين مع البعثة البولونية والفرنسية المنقبة عن الآثار وهو من أهالي القرية”قرية حورته تابعة لقلعة المضيق في ريف حماة الشمالي هذه القرية تعود لأكثر من 4000 ق.م تم العثور على موقع أثري في هذه القرية وكنيسة أثرية من قبل لجنة بولونية وفرنسية مشتركة وبالتعاون مع وفد سوري”.

هذا المعبد يعود للفترة البيزنطية وكان يُستخدم لطقوس العبادة السرية القائمة آنذاك، وهو عبارة عن مغارة بعمق أربعة أمتار ويضم المدخل والدرج الحجري الذي يصل بين قاعتين اليمنى التي تحوي تمثالاً للآلهة ميترا وتحيط به المذابح التي كانت تستخدم لتقديم القرابين من الخمور والنبيذ أما القاعة الأخرى للمعبد التي تقع في الجهة اليسرى فتُعد ملحق عبادة للقاعة الرئيسية، القاعتان تضمان مجموعات فريدة من الرسوم واللوحات الجدارية المتشابهة وتمثل الآلهة ميترا وتصور أشخاصاً من جنسيات شرقية مختلفة كالصينيون وأناساً من بلدان الشرق الأوسط وتجسد الرسوم صوراً لعدة حيوانات منها الأسود والغزلان وغيرها. يضيف العامل فهد الخليل “البعثة اكتشفت أيضاً مدفن ملكي لجميع أفراد العائلة الملكية كما يشير إلى أحد المدافن على أنه مدفن ملكي لإحدى الملكات التي كانت تقطن هذه القرية”.

البعثة المشتركة (عربية – فرنسية) التي تعمل منذ 1969م اكتشفت كنيستين من طراز البازيليك (كنيسة فوتيوس،كنيسة ميخائيل) حيث عُثر في الكنيسة الكبرى (فوتيوس) على ثلاث سويات فسيفسائية رائعة عُرضوا في متحف أفاميا كما عُثر في فسيفساء السوية الأولى على ثلاثة نصوص كتابية يونانية مؤرخة في أعوام ( 438– 484) تذكر اسم فوتيوس رئيس أساقفة أفاميا والمطران دورته والقس ستيفانوس والشماس جاك وسيمون. حيث تمثل هذه الفسيفساء مناظر طيور وزخارف هندسية نباتية متنوعة ترقى لمنتصف القرن الخامس ميلادي.

أما الكنيسة الصغرى فتقع شمال الكنيسة الكبرى وتغطي أرضها طبقة واحدة من الفسيفساء ترقى لعام 487م معروضة في متحف أفاميا أيضاً وتحوي صورة رجل يجلس على كرسي تحيط به مجموعة من الحيوانات والطيور والوحوش والأفاعي مع نصين يونانيين يذكر أحدهما أنه تم صنع فسيفساء ميخائيل هذه تخليداً لذكرى سيمون بن دورته وجميع أقاربه، أما النص الثاني وهو الموجود في الرواق الثاني فيذكر أنه تم رصف كنيسة ميخائيل بالفسيفساء في عهد الكهنة الخمسة (دورته،حنا،توماس،جورج،توماس الآخر)يمكن الوصول إليه عن طريق قلعة المضيق.

عبر التاريخ لم تتأثر هذه الكنيسة بالعوامل الطبيعية لكن قذائف القتل والدمار أبت إلا أن تقتل التاريخ والحضارة بتدميرها حيث لم يبقى من هذا الرمز سوى خمس وعشرون بالمئة.فهد الخليل يشعر بالأسف ” هذه الكنيسة تم العثور عليها منذ أكثر من عشر سنوات والآن وضع الكنيسة يُرثى له بسبب قصف طيران النظام ومدفعيته القريبة على هذه القرية”.

باتت القرية خاوية الآن فقد تجاهل النظام باستهدافه لهذه الآثار البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي والداعية لحماية التراث الثقافي أثناء الحرب،حيث كان في الأيام العادية يمر على هذه القرية أكثر من مئة سائح يومياًومنذ أكثر من خمس سنوات لم يزورها ولا سائح بسبب قصف طيران النظام ومدفعيته من الحواجز المحيطة بالقرية حيث ارتكبت قوات النظام  مجزرة في الشهر الرابع من العام 2015 راح ضحيتها إحدى عشر مدنياً فالنظام لم يميز بين المقدسات الإسلامية والمسيحية التي طالما تغنى الشعراء بأجراس كنائسا المتلاصقة مع مآذنها فباستهدافه لهذه المواقع أصبح التاريخ العريق مهدداً بالاندثار.

 

الاقسام

اعلانات