الاثار العربية

جرمنايا تتطلع لاستعادة دورها التاريخي

2723108360

لعبت بلدة جرمنايا، في منطقة وادي خالد، دوراً تاريخياً هاماً، يوم كانت ممراً للفتوحات في العصور الآشورية، والبابلية، والكلدانية، والبيزنطية، والرومانية، والصليبية، والعثمانية. وهي بحسب المؤرخين أقدم بلدة في منطقة وادي خالد كلها، وشهدت معظم الحقبات التاريخية التي بسطت سلطتها في المنطقة.
كما لعبت دوراً في مراقبة خط تلك الفتوحات، وذلك من خلال «برج دير شيح» الذي يقع على ارتفاع 750 متراً عن سطح البحر. ويرتبط بمجموعة من القلاع والحصون في الداخل السوري، وتحديداً بقلعة الحصن التي يبعد عنها مسافة عشرة كيلومترات.
وشهدت البلدة نهضة كبيرة في محيطها يوم بسطت السلطنة العثمانية نفوذها في المنطقة، فارتبطت ارتباطاً وثيقاً بقلعة الحصن، التي كانت آنذاك ناحية عسكرية منفصلة عن «إقليم الشعرا» الممتد من الدبوسية حتى حمص، والذي اقتطع للدنادشة، بتفويض من الدولة العثمانية، التي أودعتهم حماية مصالحها، فتولوا حماية طريق طرابلس ـ حمص. وقد عرف أهل تلك المنطقة مختلف أنواع الزراعة والصناعة بحسب ما تؤكد الحفريات المكتشفة فيها. تحتفظ بلدة جرمنايا ومعها الرامة التي تبعد عنها مسافة كيلومترين، بالعديد من الآثار الرومانية، والبيزنطية، والصليبية، والمصرية، والآشورية وغيرها. ولا تزال المغاور، والكهوف، والنواويس التي تتوزع في مختلف أرجاء البلدة التي تمتد على مسافة ثلاثة كيلومترات تشهد على غنى تلك الحقبات. يدل اسم الرامة على موقع تجمع المياه، أما جرمنايا فيعني جوار منايا، (جوار أي بالقرب، ومنايا تيمناً بالقبور) وهي إشارة إلى غنى المنطقة بالقبور، وتحديداً في القسم الغربي منها، والتي يرجح أن تكون قد شيدت على يد الرومان، حيث تضم مدينة تحت الأرض عبارة عن نواويس عدة مشغولة بطريقة هندسية مميزة وفيها الكثير من القبور، والآثار الفخارية والتماثيل، البعض منها على شكل حيوانات، إضافة الى صخور عدة تحمل نقشة الصليب (رمز الصليبيين).
تقع جرمنايا في القسم الجنوبي الشرقي من الرامة، ويحدّها من جهتي الغرب والجنوب منطقة جبل أكروم، وتضمّ «برج دير شيح» الذي يعود للعصر البيزنطي، ويقع على تل مرتفع وفي أسفله تنتشر مجموعة من الأعمدة الضخمة وجدران كانت تعود لمنازل سكنية مهدّمة. وفي وسطها ساحة كبيرة تحوي آثار معصرة زيتون، وحماماً يتألف من ساحة عبارة عن صخور مبلطة. وكانت مزوّدة بمقاعد مبنية بالحجارة، متصلة بغرفة الاستحمام حيث الأحواض الخاصة بذلك.
أما الماء المستعمل في الاستحمام البارد والساخن فكان يجري في أنابيب سميكة، وقوية مدفونة تحت سطح الأرض، لا تزال أجزاء منها بارزة، وذلك من النبع القريب الواقع على تلة صغيرة إلى الشمال منه وهو «عين دبويسيه»، كما يطلق عليه، ويرجح أن معظم هذه الآثار يعود إلى العهد الصليبي أي ما بين القرنين الحادي عشر والسادس عشر. كما لا يخفى الأثر الكبير الذي تركه القائد الإسلامي خالد بن الوليد في تلك المنطقة، حيث يروى أنه هدم منازلها، وذلك أثناء سيطرته على الساحل السوري وأجزاء من الداخل، كما يذكر أنه قام بضرب صخرة وشقها وأخرج منها ماء شرب منه جيشه عندما كان يتحضّر لفتح مدينة حمص السورية.
تبدو جرمنايا اليوم هادئة أكثر من اللزوم، مقارنة مع الكم الكبير من الشائعات التي تطغى على المنطقة، وتحديداً لجهة وجود أعداد من المسلحين في مغاورها، إذ ان جولة ميدانية في المنطقة تظهر أن معظم المغاور بات مراقد للحيوانات. كما أن الكثيرين من سكانها قد نقلوا إقامتهم منذ سنوات إلى بلدة الرامة والهيشة المجاورتين، مستفيدين من طبيعتهما السهلية وقربهما الى الحدود مع سوريا، حيث نشطت التجارة البينية على الحدود. كما قام الأهالي باستصلاح الأراضي الزراعية وزراعتها بالزيتون بعدما قامت الدولة اللبنانية بشق طريق في الرامة وتعبيدها. يبلغ سكان جرمنايا اليوم 300 نسمة، أما الرامة فعدد سكانها يقارب ثلاثة آلاف، يعمل غالبيتهم في الزراعة، إضافة الى وجود موظفين عديدين في القطاع الرسمي، وبعض المغتربين.
ذلك التاريخ الحافل دفع بالمجلس البلدي المستحدث في العام 2012 إلى دراسة طرح مشروع سياحي في المنطقة، من شأنه جمع الآثار، وترميمها بهدف المحافظة عليها تمهيداً لتحويل المنطقة الى معلم سياحي.
ويتحدّث رئيس بلدية الرامة جرمنايا خالد البدوي عن «أن زوار عديدين يسألون عن آثار المنطقة ويرغبون في التعرف إليها عن كثب، لكن طبيعة البلدة الصخرية، ووعورة طرقها تحولان دون لفت الانتباه إليها»، مشيراً إلى «أن البلدية تقوم حديثاً بشق طرق فرعية، وإنشاء البنى التحتية من مياه وصرف صحي». ويضيف: «ان الإهمال الرسمي من قبل الدولة ومؤسساتها الرسمية المعنية أمعن في نهب ثروات المنطقة، إذ تم منذ سنوات إجراء حفريات في أكثر من مكان وفي أعلى البرج بهدف البحث عن الذهب، ويروي لنا أجدادنا أنه عثر على الكثير من الذهب والعديد من التماثيل الأثرية التي جرى بيعها لتجار الآثار». ويتساءل البدوي: «لماذا تغيب جرمنايا وآثارها المهمة كلياً عن الدليل السياحي التابع لوزارة السياحة؟ كما أن معلومات قليلة موجودة عن المنطقة على المواقع الالكترونية»، مشدداً على أن هذه الآثار لو وجدت في مكان آخر من لبنان لكانت موضع اهتمام جميع المعنيين. ويقول: «نحن نتطلّع لإبراز الوجه الإيجابي عن وادي خالد عموماً وبلدة جرمنايا التي تعد كنزاً أثرياً، لأن الحقيقة على الأرض مختلفة تماماً عن الصورة التي جرى تداولها عن أهالي قرى وبلدات وادي خالد منذ اندلاع الأحداث الأمنية في سوريا».

الاقسام

اعلانات